للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير المسلمين من فتنة النظر إلى ما حرم الله]

السؤال

يظن كثير من الناس أن السعادة تحصل بالنظر إلى الأفلام والمسلسلات، وسماع الأغاني وغيرها، عن طريق القنوات الفضائية والدشوش، ولهذا ربما يتفاخر الناس في المجالس بما يشاهدونه بالدش أو عن طريق التلفاز وهذا معلومٌ؛ لأنه لم يعد يخلو منه بيت، حتى ظن بعض الآباء أنه لا يمكن أن يعيش في بيته بدون هذه الدشوش، أو بدون مشاهدة الأفلام عن طريق الفيديو أو غير ذلك.

فنرجو من فضيلتكم تصحيح هذا الظن، وبيان انعكاسه وآثاره على المجتمعات الإسلامية؟

الجواب

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: أولاً: لا ينبغي أن يعمم الإنسان في الحكم، أو يقول: إن كثيراً من البيوت فيها كذا وكذا، لا زال -ولله الحمد- الخير موجوداً، ولا يزال في الناس بقية خير، والخير موجود إلى قيام الساعة، ولقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يوجد المنافقون والمرجفون، وكان يرى ابتلاء المؤمنين؛ لكي يظهر صدق الصادقين، وثبات الموقنين، ويظهر -والعياذ بالله- فساد المفسدين: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة} [الأنفال:٤٢].

ثانياً: ليعلم كل من ابتلي بالنظر إلى ما حرم الله أن الله سائلك عما ترى، ومحاسبك على نعمة البصر التي أنعم بها عليك، الله أعلم كم من كفيفٍ للبصر يتمنى لحظةً يرى فيها أهله وولده! الله أنعم عليك بهذه النعمة وهو سائلك ومحاسبك ومجازيك بين يديه، فعليه أن يتقي الله في نفسه؛ وأرجو من الله ألا يكون فينا من ابتلي بهذا الشيء، ونسأله أن يحيينا على السلامة، ولا نزكي أنفسنا على الله فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن.

هذا البلاء وهو بلاء النظر، سواء كان في رؤية هذه الأشياء أو في غيرها، فلربما يفتن الإنسان في بصره وهو في طريقه إلى مسجده، فعليك أن تعلم أن البصر نعمة، وأنه لن تزول قدمك بين يدي الله حتى يسألك عن جميع ما أبصرت عيناك، وتراها أمام عينيك في يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

ثم اعلم -أخي في الله- أن النظر يؤثر على القلب، وإذا تعرض العبد للفتنة فقد يزيغ قلبه فلا يهتدي أبداً والعياذ بالله، فاحذر من الفتن، فلربما فتنةٌ واحدة تهلك الإنسان دهره كله، نسأل الله السلامة والعافية، وإياك أن تقول: إنها لحظات يسيرة! وساعات قليلة! فإن الله سبحانه وتعالى إذا غضب على عبدٍ أهلكه: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:٨١] الله يغضب على البصر والجوارح والأركان، يغضب على بصرك إذا نظرت إلى الحرام، ويغضب على لسانك إذا تكلمت بالآثام، ويغضب بسبب جوارحك وأركانك إذا اقترفت الحرام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها أبعد ما بين المشرقين في نار جهنم) وفي روايةٌ له: (يهوي بها في النار سبعين خريفاً).

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوفاً على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور جاء بالضرر على المسلم أن يحمد الله إذا نجاه من ذلك الجهاز، ثم إذا تساهل في ذلك وأدخله على أهله وأولاده فإن الله يحاسبه وسيقف بين يدي الله في كل فتنة أدخلها على أهله وولده، والله لن تزول قدمه بين يدي الله حتى يتعلق به أولاده، ويقولون: يا رب! سل أبانا كيف أدخل علينا هذا البلاء؟ ولربما نظر الولد -وهو حديث السن- إلى نظرةٍ واحدة فتنت قلبه إلى الأبد.

إن الشهوات أضرارها عظيمة، ومن زلق في الشهوات هلك، فعلى المسلم أن يعلم أن الأولاد أمانة في عنقه، والله عز وجل سائله عنهم ومحاسبه بين يديه عنهم، وإذا أشقى ولده بالسوء والفتنة فإنه يحمل وزره بين يدي الله عز وجل: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:١٣]، فعلى المسلم أن يتقي الله ويحمده على العافية، فكم من أمور تسر بها العيون من ذكر الله وطاعته وتربية الأولاد على الخير.

إن هذه الأشياء التي يفتخر بها ويبتهج بها وهي -والله- شقاء وبلاءٌ وعناء، وهذا الذي يراه من المعصية والسوء والدعوة إلى الإثم بلاءٌ على العبد في دينه ودنياه وآخرته.

فينبغي على المسلم أن يتقي الله في نفسه وفي أهله وولده، وأن يحفظ هذه الرعية التي استرعاه الله إياها، قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ وهو ومسئول عن أهل بيته).

فليتق الله كل من ابتلي بهذا البلاء، وإذا كان مبتلىً ولا بد فليحفظه عن أولاده وعن زوجته، حتى لا يبتلى بغضب الله عز وجل عليه، وحتى لا يحمل أوزارهم.

نسأل الله العظيم بعزته وجلاله وعظمته وكماله في هذه الساعة المباركة أن يمن بالهداية على ضال المسلمين، اللهم اهد قلوبهم واشرح صدورهم، اللهم أصلح شباب المسلمين.