[عاجل ما أعد الله للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من حسن العاقبة]
أما أمر الدنيا فإن الله تكفل لك بالعاقبة, لن يقف أحد يبلغ رسالة الله جل جلاله فيؤذى ويهان إلا جعل الله عاقبته أفضل العواقب, وأسماها وأشرفها، ولو احتقره الناس, ويظهر ذلك جلياً من قوله سبحانه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨] {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] يعني: لا تنظر إلى حالك الآن، ضع النظرة إلى الغد، ولا تنظر إلى حالك فإن النبي صلى الله عليه وسلم سُمي الساحر والأفَّاك والأبتر والصابئ، ومات وهو سيد الأولين والآخرين, واسمه صلى الله عليه وسلم يقرن بالنداء: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:٤] , ليس المهم أن تهان الآن, وليس المهم أن يسخر منك الرجل اليوم, ولكن الأهم ما هي العاقبة؟ ما هي النتيجة؟ ما هي الثمرة؟ أذكر حادثةً لطيفةً يقول فيها عروة بن الزبير رحمة الله عليه -هذا الإمام العظيم من أئمة السلف- كلمة تنبه على هذه النقطة: [والله ما من عبد يقف موقفاً لله فيهان فيه، إلاَّ أوقفه الله موقفاً أعز منه وأكرم] وتوضيح ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم, نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فريد في قلة وضعف من أصحابه, والرسالة أيامها سرية، والدعوة سرية، فجاءه أمر الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤] , فوقف عليه الصلاة والسلام على الصفا فنادى في قريش فعمم وخصص أي: نادى بطون قريش كلها, فجاءت بطون قريش بقضها وقضيضها ووقفت بين يديه, فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال كلمته المشهورة: (قولوا: لا إله إلا الله) هذه الكلمة التي قامت عليها السماوات والأرض، ومن أجلها سيكون الحساب والسؤال والعرض, هذه الكلمة العظيمة التي من أجلها خلقوا ومن أجلها بعثوا، لما قالها لهم كان جواب أبي لهب عليه لعنة الله أن قال له على رءوس الأشهاد: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ تصوروا -أيها الأحبة في الله- النبي صلى الله عليه وسلم على رءوس الناس, ثم يقول له على رءوس الملأ: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ وهو عمه, وحينما تأتي الأذية من قريب لك تكون الأذية صعبة جداً, فظلم ذوي القربى أشد من ظلم الأبعدين؛ لأن القريب لا تستطيع أذيته؛ لأنك إن آذيته كأنما آذيت نفسك, فقال له أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فاحتقره وسفهه وآذاه.
ثم تمضي الأيام وتتابع السنون والأعوام، فيوقف الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام على الصفا -التي بالأمس شتم عليها وأهين- ومعه مائة ألف من أمته وأصحابه، كلهم يقول: كيف يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رده الله إلى مكة عزيزاً كريماً رفيع الذكر, يقول أنس: [أنظر أمامي فإذا الناس مد البصر, وأنظر وراءي فإذا الناس مد البصر, كلهم يقولون: ماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟] ولذلك لما رقى على الصفا كأنه ذكر ذلك اليوم الذي كُذِّب فيه على الصفا فكان أول ما رقى عليها قال: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده) عظمت عنده، فالعاقبة من الله مضمونة, فالذي يقوم برسالة الله ويؤدي حجة الله على العباد، مهما جاءه من المهانة والمذلة فمهانته كرامة, ومذلتة معزة, لا تنظر إلى كلام الناس واحتقارهم وأذيتهم ولكن انظر إلى عاقبتك عند الله جل جلاله.
فهذا فيما يكون في الدنيا, ولذلك كلما وجدت الإنسان يقوم لله بحجته ويبلغ لله عز وجل عظيم رسالته، وجدت الله عز وجل يضع في قلوب العباد حبه والهيبة منه والقبول له، ووجدته في أسمى المنازل, الناس تشتري السمعة بالأموال, ولكن العلماء والدعاة إلى الله والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر نشر الله ذكرهم, وأبقى في العباد حبهم بما قدموا لله جل جلاله من صالح القول والعمل.
لا تنظر إلى كلام الناس ولا يهمك أن يتكلم من تكلم, فإن اللسان الذي يتكلم على الحق أخرس، ولو كان صاحبه أبلغ الناس, واللسان الذي يقف في وجه الحق مقطوع ولو بعد حين, ولذلك قطع الله دابر المجرمين, وقطع الله دابر المفسدين, وجعل العاقبة للمتقين, فهذا أمر مهم جداً لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.