هناك أمور يجب أن توجد قبل الدعوة، وهناك أمور ينبغي أن توجد أثناء الدعوة، وهناك أمور ينبغي أن توجد بعد الدعوة؛ أما الذي يسبق الدعوة فعلم عن الله وفقه عن الله وبصيرة في دين الله {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}[يوسف:١٠٨] ليس عن عمى، ولا عن غي وهوى، ولكنه على سبيل الطاعة والهدى، أما الذي يكون مع العلم وأثناء العلم فتلك الآداب الطيبة والأسلوب اللين الذي يؤثر في القلوب {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:٤٤].
فالإنسان يبتدئ بالأسلوب الطيب، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها:(كان أول ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات فيها ذكر الجنة والنار، ولو نزل لا تسرقوا لا تشربوا الخمر ما آمن أحد).
أولاً: تأليف القلوب بأسلوب الحكمة، وباللين، وبالموعظة الحسنة، فإذا جاء إنسان لإنسان عاصٍ أحس أنه أمام إنسان غريق، أحس أنه أمام إنسان يحتاج إلى من ينقذه، ولا ينظر إليه على أنه إنسان عدو بمعنى: أن يسيء له في الخطاب والأسلوب الذي يوجب نفرته، فلذلك ينبغي للإنسان أن يراعي الأسلوب الطيب في الدعوة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المتقين وقدوة الدعاة المهتدين كيف كانت أساليبه؟! كان يغزو القلوب بحسن خلقه قبل أن يغزو العقول بأفكاره ومبادئه صلوات الله وسلامه عليه، وكانت الكلمة إذا خرجت منه خرجت بعد أن تمهدت القلوب لسماعها، وبعد أن طابت القلوب لوعيها، فينبغي للإنسان أن يترسم سبيله، وأن يسير على طريقه، وأن يكون أسلوبه أثناء الدعوة أسلوباً طيباً، حكيماً جذاباً رقيقاً رفيقاً.