[نصيحة لشارب الدخان]
السؤال
إني أُشْهِد اللهَ العلي العظيم أني أحبك في الله.
وسؤالي يقول: أنا إنسان منَّ الله عليَّ أن هداني منذُ سنوات ولله الحمد، إلا أنني أرتكب معصيةً في الخفاء، وهي شرب الدخان، ولا أستطيع تركه، فما توجيهكم لي جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً: أُشْهِد الله على حبكم جميعاً فيه، وأسأل الله العظيم كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا في مستقر رحمته {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٥] وأحبك الله الذي أحببتني من أجله.
وأما ما سألتَ عنه من معصية الدخان، فأسأل الله العظيم -أمِّنُوا- أن ينزع من قلبك حبَّه، وأن يوفقك إلى تركه، وأن يعجِّل لك بالفرج.
أخي في الله! إن كل شيء يشربه الإنسان أو يطعمه يحاسِبه الله عز وجل عليه، ففي كل لحظة يشرب الإنسان فيها هذا البلاء يكوِي نفسه بنار؛ نار الدنيا قبل نار الآخرة، ولو كان الإنسان -والعياذ بالله- مبتلىً بالدخان، فإن هذه الصغيرة قد تكون وسيلة للكبيرة؛ لأن الإنسان -كما يقول العلماء- إذا داوم على الصغائر قد تنتهي به إلى الكبائر، والذي جعلك تهجر فراشك في جوف الليل إذا سمعتَ المنادي ينادي إلى الصلاة، والذي جعلك تخرج في شدة النهار، وفي شدة الحر والقَرِّ للعبادة والصلاة، وهذا الجهاد الذي جاهدت به نفسك، واهتديت والتزمت به، أهونُ منه تركُ الدخان؛ ولكن الشيطان خبيث، يقول لك: لن تستطيع، وهذا أمر صعب، فأنت داومتَ عليه سنوات؛ ولكن أقول: اعزم، فوالله الذي لا إله إلا هو ما من إنسان يصاب بذنب ويَصْدُق مع الله إلا صَدَق الله معه؛ لكن المهم الصدق؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (وأسألك العزيمة على الرشد).
فالأمر يحتاج إلى عزيمة فقط: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه:١١٥] فالمشكلة في العزم، وإلا لو أنك عقدتَ العزم على ترك الدخان، فأول ما تجد المعونة والتوفيق مِن الله جل جلاله، وأول ما تجد الحب مِن الله؛ لأنه بمجرد ما تجد في نفسك الكراهية لهذا الشيء فإن الكراهية تعتبر من أعمال القلوب، وقُرْبَةٌ بينك وبين الله، يقول الله: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً} [الأنفال:٧٠] فإذا علم الله في قلبك أنك تكره الدخان أعانك؛ لكن اصْدُق مع الله.
وأوصيك بوصية ثالثة حتى تترك الدخان: إذا أصبحت فاجعل آخر عهدك بالدنيا غروب الشمس، وهذا أمر خطير جداً، حتى أن بعض العلماء قال: لا آمن على من شرب الدخان مسٌ -والعياذ بالله-، فهَبْ أنك ستموت عند غروب الشمس، واللهِ -بإذن الله عز وجل- ستجد معونة من الله في تركه، وهذا يكون في أي معصية، فاعتبر أن غروب الشمس هو آخر أمد لك، وهذا من أعظم العون الذي يعين على الطاعة، ويعين على ترك المعصية، فقصِّر الأمل في الدنيا، فالدخان مَن ابتلي بمرض من أمراضه ومات منه ربما يكون قاتلاً لنفسه -والعياذ بالله-، فلا آمَنُ عليه من ذلك، وهذا -حقيقة- فيه شبهة، أعني أن هذا الحكم ليس ببعيد؛ لأن الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:٢٩] فإذا كان هو يعلم أنه سبيلٌ للسرطان، والسرطان سبيلٌ للموت -والعياذ بالله-، أو سبيل للأمراض الخطيرة في الرئة، فكأنه يعلم أن هذا السم الذي يتحسَّاه ينتهي به إلى نار جهنم، ولذلك ثبت الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تحسَّى سُمَّاً فمات منه فهو في نار جهنم يتحسَّاه خالداً مخلداً فيها) -والعياذ بالله-.
فالأمر خطير جداً -يا إخوان-، فمسألة الدخان يقرر بعض العلماء أنه لا يُؤمَن على الإنسان إذا بُلِي بمرضٍ بسبب هذا الدخان أن يكون قاتلاً لنفسه! وتُحْكَى حول هذا الأمر عِبَرٌ عن الثقات، ينبغي للإنسان أن يعتبر بها: فقد بلغ ببعضهم أنه وُجِّه إلى القبلة ولم يتوجه -نسأل الله السلامة والعافية- وما عُرِفَ عنه إلا شرب الدخان.
ومنهم من كان -والعياذ بالله- يشرب هذه البلاء التي تسمى الشيشة، فيقول مُلَحِّده: فلما وضعتُه في القبر وجدتُ رائحتها في قبره، نسأل الله السلامة والعافية.
فالأمر خطير جداً؛ لأن هذه الأرواح أمانة، فالله سبحانه وتعالى يحاسب صاحبها عليها.
فنسأل الله العظيم أن يسلمنا من ذلك، وأن يعافينا وإياكم وذرياتنا من هذا البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن لنفسك عليك حقاً).
والله تعالى أعلم.