ونادى منادي الله لتلك النفس الظالمة في جنب الله: يا فلان ابن فلانة! أن قم إلى العرض بين يدي الله، فسئل عن ليل طالما في الإثم قضاه، وعن نهار طالما في الباطل أضاعه، فنادى منادي الله: أي حسنة ترجوها عندنا؟ وأي صالحة قدمتها في جنبنا؟ فنشرت الفضائح، وصاح بين يدي الله الصائح:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:٦٥].
فقالت القدم: إلى الحرام طالما مشيت، وفي جنبك -رباه- أسأت واعتديت.
وقالت اليد: كم افترفت من الآثام! وكم هتكت وأكلت من الحرام! فما خفت منك -ربي- حقيقة الخوف.
وقالت العين: أما أنا فقد نظرت وتمتعت، رباه! متعني بالحرام، واستعان بي في تزيين الفواحش والآثام، وشهدت الفروج بآثامها، والجوارح بخطيئاتها، ثم عرضت على الله مظالمها {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت:٢١].
فشهدت الجوارح بآثامها، وعرضت الفضائح بين يدي الله ربها، فقال الله: يا ملائكتي! خذوه، ومن عذابي أذيقوه؛ فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني.
عصيت الله ألوان المعاصي كأني لست أوقن بالقصاص فما لي لا أنوح على ذنوبي وأبكي يوم يؤخذ بالنواصي {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأعراف:٤٠ - ٤١].
ووقفت تلك النفس الآثمة الظالمة على نار تلظى، وجحيم لا يفنى، وبدا لها مآلها، وتمنت أن لو رجعت لكي تسكن في جنب ربها، فكبكبت على رأسها وجبينها، فهوت في جهنم كالبهائم، وتقلبت بين الدركات والظلمات والحسرات.