الأمر الثالث لك أيها القائم: إياك والضجر! إياك والسآمة! إياك والملل في طاعة الله تبارك وتعالى! إذا انتصبت لك القدمان واستحضرت الجنان في طاعة الملك الديان عندها لا تبالي أطال الوقت أم قصر، فكم من أناس يشكون طولاً من الأئمة ويضجرون لآيات يسيرة تتلى عليهم ويملون! وقد يغتابون والعياذ بالله، فيبوء العبد بالإثم والوزر والإصر، كم يطول قيامنا في شهوات من حياتنا ما شكونا ولا مللنا، ألما قام العبد بين يدي ربه ألما قام العبد بين يدي سيده ألما تشرف بالوقوف بين يدي الله يشكو الضجر والملل والسآمة من الوقوف بين يدي الله! من نحن الفقراء؟! من نحن الأذلاء حتى نقف بين يدي الله؟! من نحن؟! لولا أن الله تفضل علينا وتكرم فأذن لنا أن نقف بين يديه نناديه نناجيه نقرأ آياته نتفكر في عظاته ومع هذا كله نعرض عنه ونتأثر ونضجر، سبحان الله! كم من إمام أطال القيام فقرب خطواتك إلى الجنان! كم من إمام نفرت عنه لطول قراءته وعظيم الآيات التي يتلوها في قيامه يقربك إلى الجنة شعرت أو لم تشعر! وكم من إمام بحثت عنه ولهثت وراءه لقصر قيامه قد باعد بينك وبين المسير إلى الجنان! فالله الله أن تحرم النفس هذا الخير وأن تكون على نفسك بخيلاً! فمن دلائل الحرمان والعياذ بالله الضجر لآيات القرآن! كان الصحابة رضي الله عنهم إذا قام الواحد منهم في صلاته أطال قيامه، وغفل حتى عن أشياء من حوائجه التي هو بحاجة إلى قضائها، إذا دخل الصلاة نسي الدنيا وما فيها، وأقبل على الله تبارك وتعالى، فطابت الأيام والليالي لما قويت الصلاة والصلة بالله عز وجل، والعكس بالعكس! فإن الله لا يعبأ بمن لا يبالي به جلَّ شأنه، ومن لم يعظم ما عظم الله ولم يجلَّ شعائر الله فالله لا يبالي به، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:٣٢]، وأعظم شعيرة في الإسلام هي الصلاة وهي الصلة بين العبد وربه، فالله أن تضجر أو تملَّ من طاعة الله تبارك وتعالى.