للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعم المال الصالح عند الرجل الصالح]

التجارة نعمة من الله، وإذا صارت في طريقها المحمود فهي خير عاجل، خير من الله لعبده، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم التجارة في كلمتين هما أساس الخير حيث قال: (نعم المال الصالح عند الرجل الصالح) أما قوله: (نعم المال الصالح) أي: نعم ما يكون من مال إذا صلح ذلك المال من الخبث وهو الحرام، ولن نستطيع أن نعرف صالح الأموال من فاسدها إلا بالرجوع إلى العلماء، والاهتداء بهدي كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

لذلك: أوصي إخواني التجار، بل نتواصى جميعاً أن نقف عند حدود الله، فإذا قال العالم: لا يجوز؛ فقل: سمعنا وأطعنا.

وإذا قال: يجوز؛ فقل: الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث.

فالمال الصالح يتوقف على حكم من الله بصلاحه، وقد بينا المحرمات.

والجملة الثانية في قوله: (عند الرجل الصالح)، والرجل الصالح المراد به: من أصلح الله سريرته وأصلح الله علانيته، فإن الرجل إذا باع بيعه واتقى الله في بيعه، فهي شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بصلاحه، وهذا خير للتاجر الصالح: أن يظفر بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم له بكونه صالحاً، (عند الرجل الصالح) فالرجل الصالح هو الذي يسلم من الدخل في قلبه، فإذا جاء إلى دكانه أو إلى بقالته أو إلى متجره أو إلى محل عمله دخل وقلبه نقياً للمسلمين، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإن بلغ ذلك فقد نصح لله ورسوله ولعباده المؤمنين.

أن يدخل بنية صافية، وقلب نقي زاكٍ، يحب لإخوانه ما يحب لنفسه.

فهذا جرير اشترى فرساً، وأعجبه هذا الفرس، فكانت قيمة الفرس بالمال، فجاء إلى بائع الفرس وزاده في المال، ثم ذهب وركب الفرس فأعجبه، فرجع ثانية وزاده في المال، ثم ركب مرة ثالثة فأعجبه فجاء إلى الرجل وزاده، فنظر إليه الرجل -كأنه يظن أن جريراً به شيء في عقله- فقال جرير رضي الله عنه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصيحة لكل مسلم) فلن أغشك، رأيت أن فرسك هذا يستحق أكثر فلذلك زدتك.

فهذه الوصية الأولى: أن يكون الإنسان صالحاً في قلبه وباذلاً النصيحة للمسلمين.

الوصية الثانية: الصدق في وصف المبيع، في الثمن الذي تدفعه، عدم المبالغة، عدم الكذب، عدم الحلف الكاذب الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يذهب البركة، قال صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

فكل بيع تبتاع أو تبيعه للغير فأنت بين أمرين: بين قوله عليه الصلاة والسلام (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما -وقوله-: وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

فنسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن صدق وبر، ولذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن وفق لهذه السماحة، فقال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى).