للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم ترك التداوي بحجة طلب الأجر من الله]

السؤال

ما حكم من أعرض عن التداوي ولم يطلب الدواء بحجة أن المرض مأجور عليه وأنه لا يلجأ إلا إلى الله سبحانه وتعالى؟

الجواب

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فتسأل أخي في الله! عن رجل يزعم أنه لا يتداوى؛ لأن الله تبارك وتعالى يدفع عنه ذلك البلاء وذلك الداء.

فأقول: هذا الظن خاطئ ومخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما كتاب الله: فإن الله لما أمر أيوب أن يركض برجله دل ذلك على الأخذ بالأسباب في العلاج، وكان في الإمكان أن يقول الله: قد شفيتك يا أيوب، ولكن أمره أن يركض برجله حتى يعلم العباد أن سنة الله في الكون أن للداء دواء، وأن للبلاء شفاء.

وكذلك ثبتت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه قوم من الأعراب، كما روى الترمذي وغيره في السنن فقالوا: (يا رسول الله أنتداوى؟! فقال عليه الصلاة والسلام: تداووا عباد الله فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله أنزل لكل داء دواء علمه من علمه، وجهله من جهله) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إمام المتوكلين، وقدوة الصابرين، وأسوة المحتسبين، وكان يأخذ بالدواء وكان يتداوى.

وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذات طب ومعرفة بالطب، قال لها عروة ذات يوم: [يا أماه! أما علمك بالكتاب والسنة فذلك ليس بغريب، وأما علمك بأشعار العرب فليس بغريب، ولكن الطب من أين أخذته؟ فقالت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض فجاءه الحكماء فأخذوا يصفون له الدواء فمن ثم]، يعني تعلمت الطب بوصفهم.

فدل هذا على مشروعية الأخذ بالأسباب، ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الطب، بل قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا تداوى كان ذلك من الإيمان بالله، وقالوا: إن التداوي يعين على الإيمان بالله؛ لأنك إذا أخذت شجرةً مثلاً كانت دواءً لمرض فشربتها فزال عنك السقم قلت: لا إله إلا الله، سبحان من جعل شفاء دائي في هذه الشجرة! ولذلك جعل الله عز وجل شفاء الأسقام في الأعشاب، وجعلها في غيرها من الأدواء، كل ذلك لكي يكون حكمةً وعلماً للعباد وبصيرة، فمن أنكر الداء فإنه مخالف للسنة ولهدي نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه، وهذا هو التواكل المذموم، وإنما ينبغي للإنسان أن يأخذ بالسبب وأن يتوكل على الله عز وجل.

كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: [ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى، قالوا: وما ثلث العلم؟! قال: الطب، ثلث العلم الطب؛ لأن فيه شفاء الأسقام.

] وهذا الأثر عن الشافعي رحمه الله رواه عنه البيهقي بسنده.

لماذا ثلث العلم؟! لأن علم الشرع على ضربين: علم يتعلق بالاعتقاد، وعلم يتعلق بالأبدان والجوارح، فأصبح علم بالظاهر وعلم بالباطن، علم التوحيد وعلم الفروع التي هي محققة للتوحيد، فهذان علمان فهما طب الروح والجسد، بقي طب البدن من الظاهر وهو العلم الثالث، فقال رحمه الله من فهمه وفقهه: [ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى] يعني احتاجوا إلى اليهود والنصارى.

فالمفروض على المسلم أن يتعلم الطب، وأن يتداوى، فالذي أنزل الداء أنزل الدواء، ومن أنزل البلاء أنزل الشفاء، فلذلك كان من الإيمان بالله الأخذ بالأسباب والتداوي بها والله تعالى أعلم.