ألا وإن أعظم آفات اللسان التي إذا بلي بها الإنسان خسر دينه ودنياه وآخرته: الكفر بالله، يوم يمسي الإنسان ويصبح وقد نطق لسانه بكلمة تخرجه من الدين والملة -والعياذ بالله- يوم ينطق الكلمة فيهوي بها إلى دركات الجحيم يوم ينطق الكلمة فيكتب الله بها سخطه عليه إلى يوم الدين، قال صلى الله عليه وسلم:(إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً يهوي بها أبعد ما بين المشرقين في نار جهنم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يتبين فيها يكتب الله بها سخطه عليه إلى يوم القيامة) فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من هذا البلاء.
ولذلك خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وأمته من زلات اللسان، فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه يقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام لكي ينتهل من معين الوحي، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له:(أمسك عليك لسانك) أمسك هذا اللسان حتى لا ينطلق في حدود الله ومحارمه أمسك هذا اللسان يا معاذ عن عباد الله المؤمنين أمسك لسانك عن عباد الله المسلمين حتى تكون مسلماً حقاً فقال له: (أمسك عليك لسانك) وإذا بـ معاذ تهوله تلك الكلمة فقال: (يا رسول الله! أو إنا مؤاخذون بما نقول؟) هل هذه الكلمات التي يلفظها هذا اللسان مكتوبة في السجلات؟ فقال صلى الله عليه وسلم:(ثكلتك أمك، ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) حصائد الليل والنهار؛ يوم أطلق اللسان في غيبة المسلمين، ويوم أطلقه في عورات عباد الله المؤمنين:(وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
وجاءه صحابي يوماً من الأيام يسأله عن الدين والإسلام فقال:(يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك.
فقال صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله، ثم استقم، فقال: يا رسول الله! ما أخوف ما تخافه عليَّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك هذا)؛ أخاف عليك لسانك، أخاف عليك منطقك وبيانك.
فلذلك كان من أعظم آفات اللسان وأعظم ذنوبه أن يكفر بالله جل وعلا، وقد يكفر الإنسان حينما يقول الكلمة الواحدة فيخرج بها من الدين بالكلية، يوم يقول: لا إله والحياة مادة.
أو يقول: إن لله ولداً.
فيأتي بشيء إداً {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً}[مريم:٩٠ - ٩١] يوم ينادي غير الله ويستغيث بغيره، ويستجير بأحدٍ سواه، فيُكتب عليه أن حرمت عليك الجنة وتبوأت النار؛ وذلك يوم يتعلق بغير الله، فيناديه ويناجيه كما يناجي الله جل الله في علاه!