إن اليقين بالله له دلائل، وهذه الدلائل تجدها في نفسك، وتجدها في قلبك، ومن أعظمها: أنك لا تمسي ولا وتصبح وفي قلبك أحد أحب إليك من الله، فإذا أمسيت وأصبحت وأخوف ما يكون في قلبك هو الله، وأحب ما يكون في قلبك هو الله فاعلم أن الله قد أعطاك اليقين، فلا تمسي ولا تصبح وفي قلبك حب لغير الله أكثر من حبك لله، وتمسي وتصبح وليس في قلبك خوف من أحد إلا الله جل وعلا.
لذلك ما انصرفت شعبة من شعب المحبة والخوف إلى أحد غير الله إلا نقص يقين الإنسان، ولذلك قد يصيبك الله عز وجل ببلية لا قدَّر الله، فتصاب في نفسك، فتضيق عليك الأرض بما رحبت، حتى إذا بلغ بك الأمر غايته فاعلم أن اليقين عند الضيق، ولذلك كان يقول بعض العلماء:(كلما اشتد البلاء كان اليقين أكمل في الإنسان، وكان الفرج قريباً).
قد ذكر الله في ذلك قصتين، القصة الأولى: الثلاثة الذين خلفوا، فقال سبحانه وتعالى:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}[التوبة:١١٨] وهذا من بلاغة القرآن: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}[التوبة:١١٨]؛ لأن الإنسان قد تكون نفسه ضيقة ولكن الأرض واسعة عليه، وقد تكون الأرض ضيقة عليه ولكن نفسه واسعة، فقد تجد أعداءه كثيرين، أو تجد البلايا تحيط به في أمواله وأهله وأولاده، ولكن نفسه منشرحة وقلبه متسع ويقينه بالله عظيم، فهذا ضيق الخارج، ولكنه منشرح الداخل، وقد يكون ضيقاً في داخله موسّعاً في خارجه، فتجده من أغنى الناس ولكن في داخل قلبه من الأمراض النفسية والضيق والكبت والهم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، نسأل الله السلامة والعافية، إذاً الضيق إما من الخارج وإما من الداخل، فالله أشار إلى هؤلاء الثلاثة جاءهم الضيق من الناحيتين:{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}[التوبة:١١٨] لكن: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}[التوبة:١١٨] لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، فجاءهم الفرج.
فكلما اشتدت عليك المصائب وأحاطت بك الديون والغموم والهموم فاعلم أن الله قريب منك، ولذلك انظر إلى الكفار عبدة الأصنام يعبدون غير الله عز وجل ويستغيثون ويستجيرون بغيره، فإذا أصابهم الضر قالوا: لا إله إلا الله، فكشف عنهم وفرَّج الله كربهم.
فكلما قوي يقين الإنسان واشتدت عليه المصائب والمصاعب والمتاعب فليعلم أن الفرج قريب فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعمر قلوبنا وقلوبكم باليقين به، وأن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين الذين أوجب لهم درجات النعيم.