[الرضا بالقليل من الربح دليل القبول والبركة]
قال بعض العلماء: السماحة في البيع أن ترضى بالقليل من الربح، لا تبالغ، ولذلك ذكر عن عبد الرحمن بن عوف أنه قيل له: كيف أصبحت غنياً وقد قدمت المدينة فقيراً؟ فذكر كلمة يقول عنها بعض العلماء: هي كنز في التجارة، فقال رضي الله عنه: (كنت إذا أعطيت أقل الربح رضيته؛ فبارك الله لي).
يقول بعض العلماء: هذا كنز التجارة.
وتوضيح لذلك قالوا: لأنه إذا رضي بأقل الربح رغب الناس في بيعه؛ فيقبلون على بضاعته؛ لأن ربحه قليل، فيشتهر بين من يشتري منه.
كذلك أيضاً: إذا اشترى الناس منه نفدت منه السلع، فصار يشتري من غيره، فيحبه من يأخذ منه لكثرة أخذه ممن يبتاع إليه، فأصبح محبوباً بين من يبيع له وبين من يشتري منه، فلذلك يقولون: هي كنز من كنوز التجارة.
الأمر الثاني قالوا: إنه إذا رضي بقليل الربح وقعت البركة، ولذلك الإسلام لا يحرج عليك أن تبيع الذي اشتريته بعشرة بألف، فلا يحرج عليك، وأما ما يقوله بعض المتأخرين -هداهم الله وأصلحهم-: من أنه لا يجوز المبالغة في الربح، ليس هناك دليل على تحديد نسبة معينة في الأرباح، هذا في أصل الشرع؛ لكن أجاز العلماء لولي الأمر أن يتدخل في التسعير عند وجود المصلحة، إذا وجدت المصلحة فله أن يسعر ولا حرج، لكن نحن نقول: كون الشخص يشتري بعشرة ويبيع بمائة، فهذا مباح: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:٢٧٥] ما دام أن نفسك طابت أن تشتري بمائة فلا حرج.
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عروة البارقي -أحد الصحابة رضي الله عنه- يوماً من الأيام: (خذ ديناراً واشتر لنا من هذا الجلب شاة.
فأخذ عروة الدينار، فذهب إلى الجلب فوجد شاة بنصف دينار، فاشترى شاتين بدينار، ثم باع إحدى الشاتين بدينار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة، فقال: يا رسول الله! هذه شاتكم وهذا ديناركم.
فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك له في صفقة يمينه) فكان لو اشترى تراباً ربح فيه رضي الله عنه، وهذه من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
الشاهد أنه اشترى بنصف دينار وباعه بدينار، وهذا يدل على جواز ربح المائة بالمائة.
لكن يقول العلماء: السماحة والبركة والخير في عدم التضييق على الناس، فالله عز وجل قد ينعم على الإنسان ويأخذ الأرباح الباهظة، لكن لا يأمن أن يسلط الله على ماله بلاءً، ولا يأمن أن يسلط الله عز وجل على ماله نقمة، ولكن إذا اتقى الله عز وجل ورضي بقليل الربح؛ فتح الله له أبواب البركة؛ فأصبح ربح الواحد كالعشرة.
فليس المهم أن يأخذ الإنسان المائة ولا الألف ولا الألفين، ولكن المهم البركة، والبركة تكون في الأموال، وتكون في الأولاد، وتكون في الأرزاق والأقوات، ولذلك قالوا: ربما أن الإنسان يكون له ولد واحد يضع الله فيه البركة عن عشرة وعن عشرين، وربما يكون له عشرة من الولد ليس فيهم بركة نسأل الله السلامة، حتى يتمنى أنه ما ولد له ولد -نسأل الله السلامة والعافية-.
فالمهم البركة، فقد تأخذ العشرة ويضع الله فيها بركة الألف، وقد تأخذ العشرة فيصلح بها دين العبد ودنياه وأخراه، يتصدق منها، ويصل الرحم، ويغنم منها في أمور بيعه وتجارته.
فالمقصود: أن هذه من دعائم الخير: الصدق في المعاملة، النقاء في القلوب، الرضا بالقليل كما أثر عن هذا الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.