نحن مجموعة من الطلبة نحفظ القرآن الكريم في أحد المساجد، فنرجو منك أن تبين لنا، الطريقة السليمة في حفظ القرآن الكريم، وكيف نتعامل مع شيخنا وزملائنا أثناء التلقي والطلب؟
الجواب
يا حافظ القرآن! ويا من شرفك الله عز وجل بالجلوس في تلك المجالس المملوءة بذكر الرحمن! أول ما ينبغي أن يعتني به من وفقه الله لتلك المجالس وكان من أهلها: أن يخلص لله عز وجل، فإذا خرجت إلى حلقة التحفيظ خرجت وليس في قلبك إلا الله الحفيظ، خرجت وأنت ترجو رحمة الله، وتتلقف رضوان الله في كل خطوة تخطوها، وفي كل قدم ترفعها وتضعها، فإنك إن فعلت ذلك أعظم الله أجرك وبارك الله لك في علمك.
أما الخلة الثانية التي ينبغي أن يتخلق بها من جلس في مجلس القرآن: أن يجل ذلك المجلس، فيبكر إلى مجالس التحفيظ وألا يقصر في ذلك، فإن التأخر عن مجالس الذكر ومجالس العلم يدل على نقص أدب الإنسان مع ذلك العلم؛ ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله أكمل ما يكونون أدباً في مجالس العلم حتى كان طالب العلم منهم يسبق شيخه قبل أن يخرج من منزله لطلب العلم، وكان ابن عباس رضي الله عنهما ينام على عتبة زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه.
إذا جلست في ذلك المجلس فاستشعر عظمة ذلك الكتاب الذي بين يديك، واستشعر نظر الله عز وجل إذ ينظر إليك، وتذكر أن هذا الكتاب الذي بين يديك يطالبك بالآداب، ويسألك أن تتخلق بأخلاق أولي الألباب، فتكون على أكمل ما يكون عليه الطلاب، فتكون على وقار وخشوع وخشية لله عز وجل، تحس كأن الله يخاطبك، واعلم أن كلام الله هو أعظم رسالة على وجه الأرض، فإذا وفقك الله عز وجل لهذا الشعور جاءت الآثار حينما تتأدب فتكون متأدباً في صوتك في مجلس الحفظ متأدباً في حديثك مع شيخك، مراعياً لحرمته ومكانته؛ فإن وفقك الله عز وجل لذلك فقد وفقك الله لخير كثير.
يا طالب العلم! لن تكون خير الطلاب إلا إذا كنت أكملهم أدباً، وينبغي لك أن تنافس غيرك في الأدب، فأحب الطلاب إلى الله أكملهم أدباً مع شيخه، وأكملهم رعاية للحرمة مع عالمه الذي يتلقى عنه، فاحفظ حرمة ذلك الشيخ، واحفظ حرمة من تحفظ القرآن على يديه.
هناك قصة لطيفة للإمام الشافعي حاصلها:(أنه جاءه رجل عامي وهو جالس في مجلس العلم وقد مد رجليه، فقبض الإمام الشافعي رجله، واستوى في مجلسه مع أصحابه حتى جاء ذلك العامي، فلما جلس هابه الشافعي، ثم لما مضى وانصرف مد رجليه وعاد إلى الحالة الأولى، فعجب طلاب الشافعي من ذلك الصنيع، فقرأ في أنفسهم ذلك التعجب، فقال لهم: إن هذا الرجل أخبرني -كان الشافعي يوماً من الأيام يشرح حديث ابن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار) أن الكلب لا يشغر رجله ليبول إلا إذا كان بالغاً، فلما قال هذه المقالة للإمام الشافعي اعتبرها الإمام الشافعي فائدة، وإن الحر من حفظ وداد لحظة وتعليم لفظة، فكيف بمن يعلمك كلام الله عز وجل، وكيف بمن يعلمك القرآن؟ فاحفظ ذلك الحق لمن تتعلم على يديه.
أما الأمر الأخير: فالصبر على أذية المعلم، إذا آذاك المعلم فاصبر على أذاه؛ فإن الله قد يبتليك بإنسان فظ غليظ لكي يبتلي صبرك، وهنا قصة لطيفة -هي خاتمة هذا الأدب- عن أحد العلماء الفضلاء: سمع بعالم قدم من الهند إلى دمشق، فخرج هذا العالم من بلدته حتى جاء إلى دمشق في الليل، فسأل عن بيت ذلك العالم فدل على بيته، فجاء وقرع الباب في السحر قبل الفجر، ففتح العالم بابه، فوجد ذلك العالم الضيف، فسأله: ما الذي تريد؟ قال: أتيت لكي أتلقى العلم عنك، فأخذ ذلك العالم الباب وأغلقه في وجه ذلك العالم الذي جاء لطلب العلم -وكان يوماً شديد البرد- فما كان من ذلك الطالب إلا أن جلس على عتبة الباب حتى أذن الفجر، فلما أذن الفجر خرج العالم من بيته، فوجد الطالب نائماً على عتبة الباب، فأخذه واحتضنه وقال: والله ما أردت إلا أن أختبر صبرك على العلم، فأخذه واحتضنه وكان من خيار طلابه.
فالعلم يحتاج إلى صبر، فلذلك إذا رأيت زلة أو أذية من عالم أو ممن تحفظ القرآن على يديه فاصبر ابتغاء مرضاة الله، والله تعالى أعلم.