الخصلة الثانية: إذا أكثرت من تلاوة القرآن فإياك ثم إياك أن تجاوز آيةً واحدة إلا وقد سألت نفسك ما موقفك من هذه الآية؟ أمرتك فهل ائتمرت، ونهتك فهل كففت وانزجرت، ما موقفك من هذه الآية الكريمة؟ هل هذه الآية حجة لك، أو حجة عليك؟ إذا تلوت آي آيةٍ من كتاب الله فقف معها، وسل نفسك، هل هذه الآية لك أو عليك، فإن كانت الآية لك، فاحمد الله على التوفيق، واسأله الثبات عليها إلى لقائه، فوالله الذي لا إله إلا هو ما من آيةٍ تقرأها ولا آيةٍ تسمعها، إلا وقفت بين يدي الله تقول: يارب عمل بي أو ردني؟ ما من آية تسمعها في حديث أو محاضرة أو صلاة، أو تكتبها أو تقرأها أو تنظر إليها، إلا كانت حجةً لك أو عليك، قال بعض العلماء رحمة الله عليهم: إن الناس يصلون في قيام رمضان، فمن قام رمضان كاملاً حتى ختم القرآن وهو يسمعه، فقد تمت حجة الله عليه.
كملت حجة الله عليه إذ بلغته جميع الآيات وانتهت إليه جميع العظات، فإما أن تنتهي به إلى الجنة، أو تنتهي به إلى النار، فإن الإنسان إذا تليت عليه آيات الله ما تليت عبثاً، إذا وقفت في أي موقف في الصلاة أو في محاضرة أو في ندوة أو في مجلس، وقرأت في كتاب أو في صحيفة على ورقة، ومرت بك آيةٌ من كتاب الله، فاعلم أن هذه الآية بمجرد أن تقرأها أنها قد بلغتك، فإما لك أو عليك.
تقف أمام القرآن وقفة الخائف الوجل، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، يقفون مع القرآن حرفاً حرفاً، وكانوا إذا علَّموا طلاب العلم كتاب الله، علموهم كتاب الله آيةً آيةً.
يقول مجاهد:[عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة -وقال في راوية ثانية-: عرضته ثلاث مراتٍ أسأله عن القرآن آيةً آيةً] وهذا من أبلغ ما يكون، فإنك إذا تلوت من القرآن قليلاً مع التدبر والتفهم، عرفت مكانك من القرآن، ولو لم يكن للإنسان مع القرآن إلا أن يعرف قدره، فإن ذلك من أعظم التوفيق.