أما الأمر الثاني: فعليه أن يسعى جاهداً إلى أن يحسن ظن الناس به، وأن يكون عند حسن ظنهم به، حيث حملوه الأمانة وأناطوا به المسئولية، وجعلوه في هذا المكان، الذي صرفوا عنه غيره، واختاروه بحسن ظنهم به، فليكن عند حسن ظن الناس به، وهذا يستلزم منه أن يسأل ما هو المطلوب منه، وما هو الواجب عليه، فأول ما ينبغي عليه ضبط العلوم التي يعلمها، وأفضلها وأزكاها وأعظمها أجراً عند الله سبحانه وتعالى: علم الدين، الذي يتعلق بالأحكام الشرعية، سواءً كان في العقيدة أو المعاملات، أو العبادات الأخر، فعليه أن يتقي الله عز وجل ويضبط هذا الباب، ويخرج أبناء المسلمين عالمين بما نيط بهم.
إن أسند إليك تعليم التوحيد، فاعلم أن الله سائلك عن هذه القلوب التي تعلمها، هل وجهتهم إلى ما فيه صلاح عقائدهم ودللتهم على الأصل العظيم الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة من العقيدة في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته.
فلا تدخر جهداً ولا وسعاً إلا وقد بذلته من أجل أن تعلمهم ذلك الأمر على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها.
كذلك إذا أسند إليك تدريس الفقه، ينبغي عليك أن تجد وتجتهد في ضبط المسائل وتحريرها وبيانها، ومعرفة الأدلة عليها والراجحة من أقوال العلماء مدعماً بالدليل من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أن أعظم ما يكون في التعليم تعليم الدين.
وهنا مسألة أنبه عليها أنه ينبغي على المعلم والمعلمة أن يرغبوا أبناء المسلمين وبناتهم في العلوم الدينية، وأن يكون هناك مما في الأسلوب والطريقة والتناول للمسائل والعرض لها ما يشوق أبناء المسلمين وبناتهم لدينهم، وما يحببهم لا ما ينفرهم ويبغضهم بالأسلوب المنفر، أو بالطريقة المنفرة، ينبغي أن يبذل قصارى جهده للوصول إلى الأفضل والأكمل، وأن يغرس في تلك القلوب البريئة حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب هذا الدين، ويبلغهم ما علمه من الأحكام الشرعية بكل وضوحٍ ودلالة صحيحة، كذلك أيضاً: إذا نيطت به العلوم الدنيوية، فإن الإسلام لا يمنع تعلم العلوم الدنيوية، لكن بشرط ألا تعارض الأسباب، وألا تعارض العقيدة، وألا تتنافى مع أصل الدين، فإن تنافت معه، فلا ولا كرامة، فالأصل ديننا وإسلامنا، فينبغي أن تكون الدنيا ذليلة صاغرة لهذا الدين، لا أن تكون حاكمةً على ديننا وإسلامنا، فتعليم العلوم الدنيوية أمرٌ مطلوب، خاصة إذا توقفت عليه مصالح المسلمين كالطب.
كان الإمام الشافعي رحمه الله قد ذكر عنه بعض العلماء بالسند الصحيح، كما ذكر صاحب كتاب المنهل السوي في الطب النبوي، أشار إلى الشافعي أنه كان يقول في علم الطب:"لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب" وكان يقول كلمته المشهورة: "ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى"؛ لأنه كان في زمان الشافعي لا يوجد طبيب مسلم، وأكثر ما يوجد من الأطباء هم من أهل الكتاب، فكان يتأسف أن المسلمين لم يتقنوا علم الطب حتى احتاجوا إلى غيرهم، لا بد من إتقان العلوم الدنيوية حتى تسد حاجة المسلمين عن غيرهم، وتسد ثغور المسلمين بالرجل والمرأة المؤمنة المسلمة اللذان يخافان الله عز وجل ويرعيان النصحية للمسلمين.
كذلك أيضاً: علوم الحساب، والهندسة، ونحوها من العلوم التي تنفع، ويُستعان بها لتحسين المصالح الدنيوية، لكن الأفضل والأكمل والأعظم ثواباً علم الدين، وهو الأصل وهو الذي شرف صاحبه ونبل في الدين والدنيا والآخرة، وحيثما ذكر العلم في أكمل صوره، وأجمل حلله فهو علم الإسلام، وعلم الدين المتصل بالعقيدة والأحكام الشرعية كما لا يخفى.