للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من تعجل بالخروج من منى قبل غروب الشمس ثم عاد بعد الغروب لأخذ متاعه]

السؤال

رجل أراد أن يتعجل فخاف أن تغرب عليه الشمس فرمى وخرج من منى، ثم عاد بعد الغروب لأخذ متاعه هل فعله صحيح أثابكم الله؟

الجواب

هذا لم يتعجل! التعجل: أن يخرج بمتاعه وجسده، أو الخروج التام، الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ} [البقرة:٢٠٣] فالإنسان يفقه عن الله وعن رسوله، وهذا يقتضي أنه قد خرج كاملاً بمتاعه وبنفسه من حدود منى.

أما إذا خرج من حدود منى وانتظر حتى تغرب الشمس ورجع مرة ثانية فهذا لم يتعجل، ولذلك قرن الحكم بوصف لابد من تحقيقه على الصفة الواردة الشرعية، فمن خرج وليس معه متاعه غابت عليه الشمس لم يتعجل! بدليل أن أغراضه لا زالت باقية بمنى، ومن هنا نأخذ الصفة الشرعية كما وردت، وهذا من العبث والاحتيال والتلاعب على الشرع، الله يقول: (لمن اتقى) وعلى هذا لا يكون الاحتيال على الله وعلى الأحكام الشرعية، فالتعجل ينبغي أن يكون تاماً كاملاً بحيث -فعلاً- إذا رأيت صاحبه قلت: قد تعجل.

يقول بعض مشايخنا رحمة الله عليه: من خرج من حدود منى قبل غروب الشمس ومتاعه بمنى، ثم رجع مرة ثانية؛ فإنه في هذه الحالة لم يتعجل حقيقة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الفعل -وهو فعل التعجل- يستلزم أن تغيب عليه الشمس وقد أدى أفعالاً يصدق عليها أنه استعجل فيها.

كيف يكون تعجل يعني بجسمه؟! من دقة هذا الآن يقول: لو خرج قبل غروب الشمس.

ما الذي وقع منه؟ هل وقع منه الخروج الحقيقي، وتعجل بمتاعه ونفور حقيقي؟ الواقع: لا، ما خرج إلا جسده، ومتاعه بمنى، فهل فعل ما أمره الله؟ أصلاً الذي يريد التعجل قبل أن تغرب عليه الشمس يكون قد أدى أفعالاً معينة، ورتب نفسه ووضعه وجميع أموره على أنه يريد أن يخرج، أما أن يجلس إلى غروب الشمس! أصلاً ما يقع هذا الشيء إلا من إنسان مسوف ومتساهل، تجده يجلس ويتغدى وينبسط إلى قبل غروب الشمس بنصف ساعة أو بساعة -خاصة إذا كان عند الجمرات- خرج إلى آخر حدود منى ثم رجع مرة ثانية، وما شاء الله متعجل! ولا بأس ولا حرج وانتهى الأمر! هذا ما يصح.

ولذلك الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:٢٠٣] واللام للتخصيص، أي: هذا الحكم لمن اتقى، والذي اتقى يأخذ بالأسباب والأوصاف التي يصدق على مثله أنه اتقى الله عز وجل، أما أن يجلس ويماطل وينتظر إلى قبل غروب الشمس بشيء يسير، يقف على حدود منى ثم يخرج ثم يرجع مرة ثانية ويأخذ متاعه فهذا ليس بمتعجل! وإنما هو متحايل، وقاصد لترك المبيت، حتى إن بعض العلماء يقول لقوله تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:٢٠٣] معناه: أنه يخرج من منى وهو يحب العبادة، ولكن يخرج يريد أن يتعجل إلى أهله، عنده ظرف! عنده استعجال! عنده عجزة! عنده ضعفة! عنده رفقة! عنده عمل ودوام.

ما يخرج كارهاً للمبيت ونافراً من العبادة، فالذي يخرج كارهاً للمبيت ونافراً للعبادة فهذا -نسأل الله السلامة والعافية- لم يتق الله عز وجل.

ومن هنا نجد أن الآية أعطت رخصة مقرونة بصفة شرعية، وأنها جاءت على وجه مخصوص، فينبغي التقيد بالوارد والحكم بالرخصة لمن كان من أهلها، وقام بها على وجهها.

والله تعالى أعلم.