للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الاعتناء بكتاب الله]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فاختصار للوقت لم أرد أن أدخل مع الشيخ محمد حفظه الله فيما ينبغي من الأسبقية للمتكلم، وفضلت أن أبدأ بكلمة موجزة قصيرة، حتى يتيسر لكم الانتفاع بما عنده جزاه الله خيراً، ونفع الله به ومنه، ووفقنا الله وإياكم جميعاً للعمل بما نقول وبما نسمع، وجعلنا الله وإياكم هداة مهتدين، وزادنا وإياكم هدىً وخلقاً وتوفيقاً وعلماً وتواضعاً.

آمين.

إخواني! إن من أهم الأمور التي يجب علينا جميعاً أن نعتني بها القرآن الكريم كتاب الله عز وجل، إن القرآن الكريم من أهم الأمور التي يجب علينا الاعتناء بها حفظاً وتلاوة، وفهماً وتدبراً وعملاً وتحاكماً واستشفاءً، وإنا لم نعد نخشى اليوم قلة الحفاظ بقدر ما أصبحنا نخشى عدم التدبر في كتاب الله عز وجل، وفهم ما أريد به وهو خطاب ربنا سبحانه وتعالى الموجه إلينا، وعندما نتأمل حديث ابن عمر رضي الله عنهما في المستدرك بسند على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي رحمهم الله تعالى، نرى أن من أخبر عنهم ابن عمر في زمانه من المقصرين في حق كتاب الله عز وجل، لا يمكن أن يكونوا أولى منا وأحرى وأجدر بأن يوصفوا بالمقصرين الذين حولوا ما أريد بكتاب الله عز وجل إلى مجرد الترداد والتلاوة من غير تأمل ولا تفهم ولا تدبر، ليسوا أولى منا ولا أجدر بأن يوصفوا بالمقصرين.

وإن كان هذا قد روي في عصر ابن عمر، في أوائل عهد التابعين الذين هم أفضل هذه الأمة بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمما لاشك فيه أن مضي السنين وتصرم الأعوام يفضي بمن يأتي بعد الزمان الأول إلى حال أشد وعورة وأشد خطورة، فنعيذ أنفسنا وإياكم بالله عز وجل من أن نكون واقعين تحت طائلة هذا الكلام الذي سأذكره سريعاً.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: [كنا نؤتى الإيمان، ثم نؤتى القرآن، فإذا نزلت السورة تعلمنا حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلم أحدكم السورة من القرآن] الإيمان ثم القرآن، وحالهم مع القرآن حال تفهم لما أريد من خطاب الله عز وجل الموجه إليهم يتعلمون الحلال والحرام، وما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلم الشخص منا تلاوة سورة من السور ليحفظها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: [ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن فيقرأه من فاتحته إلى خاتمته، لا يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده، ينثره نثر الدقل].

كما يبعثر الواحد منا ويرمي التمر الرديء، ولا يحفل ولا يعبأ به ولا يبالي به، كذلك هذا الذي لا يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده، وهكذا ينتقل من سورة إلى أخرى.

وكما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كيف يمكن لمن يتعامل مع القرآن على النحو والوجه اللائق أن يكمل ختمة، بل كيف يمكن أن يجوز آية إلى غيرها إلا بصعوبة ومشقة؟ إذا كان يعطيها حقها من الفهم والتدبر، وتنزيلها على أدواء قلبه، كيف يمكن أن يجوز آية إلى آية أخرى؟ وكذلك من قام يصلي لله عز وجل، إذا أعطى الركعتين اللتين يصليهما قلبه وخشوعه وحضوره وتركيزه إلى آخره.

كيف يمكن أن يتجاوز ركعتين إلا بمشقة وجهد؟ فإذا غفل عن ذلك عد الركعات بلا حساب، فهكذا يبين لنا ابن عمر رضي الله عنهما أن من الناس من حاله مع القرآن حال من ينثر الدقل، ينثر القرآن كما ينثر الدقل، وبسبب هذا الجهل بكتاب الله عز وجل ترى فينا -وما أبرئ نفسي- خللاً في الظاهر وفي الباطن، في الباطن خلل في النيات والمقاصد وأحوال القلوب، وفي الظاهر خلل في الآداب وما ينبغي أن يقف الإنسان عنده من الآداب الشرعية، خلل في الظاهر والباطن؛ لأننا لم ننزل أدوية القرآن على أدواء الباطن والظاهر.

ولهذا صار كل الناس يشكون من بعضهم البعض، يشكون من المعاملات، يشكون من التصرفات، يشكون من القسوة ومن الغفلة، ومن الغلظة والجفاء؛ كل هذا لأن القلوب لم تعرض أدواؤها على أدوية القرآن، ولم ينزل دواء القرآن على هذه الأدواء.