[الوصية الخامسة: أن يؤدي كلا الزوجين للآخر حقه]
الوصية الخامسة التي يوصى بها في رعاية الحياة الزوجية: أن يؤدي كلا الزوجين للآخر حقه، وذلك في الحقوق التي أمر الله بها ومنها: - حق المبيت: يؤديه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، فلا يعرض أهله للحرام.
- حق النفقة: ينبغي للزوج أن يعطي الزوجة حقها في النفقة على الوجه الذي يرضي الله بالمعروف: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧] فمن كان ضيق اليد ينفق على قدر ضيق يده، ومن كان واسع اليد ينفق على سعة يده، ما لم يبلغ الإسراف في إنفاقه، فيكرم زوجته ويعطيها المال الذي يحس أنه يجبر خاطرها به.
ولذلك يتصور الإنسان لو أنه أعطى زوجته نفقة، وجاء في يوم من الأيام وزوجته على غفلة، وقال لها: هذا المال هدية مني لكِ، أنتِ لكِ عليَّ معروف كثير، أنتِ لكِ عليَّ فضل -المرأة لها فضل أين ما كان، الله عز وجل يقول بعد الطلاق: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:٢٣٧] الله أكبر! حتى بعد الطلاق! فكيف إذا كان الإنسان يعاشر زوجته؟! - فيجبر خاطرها - حق التجمل: فبعض النساء صالحات قانتات عابدات، لكنها تهمل التجمل لزوجها، وهذه قضية ينبغي طرحها، فإن الله أعطى حقاً للزوج كما أعطاه للمرأة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨].
فصلاح المرأة لنفسها، أما الزوج فله حق ينبغي أن تظهر له ما يرغبه فيها، ويكسر عينه عن غيرها، أما أن تبقى صالحة عابدة مهملة لحق زوجها فهذا مما لم يأذن الله عز وجل به، فإن حق الزوج فرض، والنوافل والعبادات طاعة وقربة ليست بواجبة، ولا يتقرب إلى الله بشيء أحب إليه مما افترضه عليه، فأول ما تفكر فيه المرأة الصالحة التي تريد الصلاح بعينه أن تكسر عين زوجها، وذلك بما أمر الله به من التهيؤ للزوج.
وكذلك الزوج، فبعض الرجال على صلاحه وعلى ديانته واستقامته -لكن صلاحه لنفسه- يهمل حق التجمل للمرأة.
أيها الإخوة: دين الإسلام عظيم، حتى في أمور الزوجية، ليس من الحياء أن الإنسان ينكف عنها؛ لأنها حقوق وشرف لك أن تبين هذه الحقوق، وأن تدل عليها؛ لأن بيوت المسلمين تهدم عندما تضيع هذه الحقوق.
ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن جلس ذات مرة مع أصحابه وجاء بالمرآة فجعل يكتحل ويسرح شعره، ويقول: [أتجمل لها، أحب أن أتجمل لأهلي كما أحب أن يتجملوا لي] وهو حبر الأمة وترجمان القرآن.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدخل بيت الزوجية ماذا كان يفعل؟! تقول عائشة: (كان يبدأ بالسواك) حتى لا يشم أهله منه الرائحة الخبيثة صلوات الله وسلامه عليه.
فدين الإسلام دين طهارة، ودين سمو، ودين عفة، فهذه الأمور ينبغي العناية بها.
المرأة الصالحة صلاحها لنفسها، لكن ينبغي عليها أن تؤدي حق زوجها، وأن تسعى في كل شيء يغض نظره عن الحرام، ولذلك أباح العلماء الاستمتاع بالمرأة، ونصوا على ذلك من خلال نصوص الكتاب والسنة، لئلا يتعرض الزوج للحرام ولا تتعرض المرأة للحرام، هذه أمور ينبغي التنبه لها.
- حق الزواج ينبغي إعطاؤه على الوجه الذي يرضي الله، فكثرة السهر والتفريط في الفراش، هذه أمور ينبغي الحذر منها والبعد عنها وتقوى الله عز وجل فيها، فكم من فراش فسد بضياع حقه، وكم من امرأة تعرضت للحرام بغفلة زوجها عنها، وكم من زوج تعرض للحرام والنظرة المسمومة بغفلة زوجته عنه، فهذه أمور ينبغي التنبه لها.
- حق الترويح: أن يحاول الإنسان أن يجعل للزوجة وقتاً للترويح وذهاب ما بها من ضيق، فالمرأة بشر ضعيف إذا جلست بين الأربع الجدران طيلة العام لا شك أنها في يوم من الأيام ستسأم.
فإذا أكرمك الله عز وجل بامرأة صالحة قانتة عابدة بعيدة عن الأسواق، بعيدة عن الخروج والتبرج، فليكن من وفائك وشيمتك وعهدك أن تأخذها يوماً في الأسبوع أو يوماً في الشهر، لتروح عنها فتزور أقاربها.
أعرف أناساً من أهل العلم والفضل بل من العلماء كانوا يأخذون أهليهم مرة في الشهر، أو المرة أو المرتين في السنة، يخرجون بأقربائهم.
وبعض الأزواج لا يخرج زوجته إلا إذا طلبت، وبعض الأزواج قد لا يخرجها حتى لو طلبت، ومن المؤسف أن بعض الزوجات تقول لزوجها: أريد أن أزور عمتي، فيقول لها: ماذا عمتك؟ لا.
اقعدي في البيت، وإذا قالت له: أريد أن أزور أمي، قال: لا.
ماذا أمك؟ كل قليل تذهبين إلى أمك؟ -وقد تكون لها عن أمها شهوراً- سبحان الله! تسألك صلة رحم أمر الله بها أن توصل.
كانت هذه المرأة الصالحة تنتظر منك في يوم من الأيام أن تأتي إليها وتقول: يا زوجتي! طال العهد بك ولم تزوري أمك، وأمك لها عليك حق فاذهبي إليها، لو عرضت عليها كيف يكون وقع ذلك في قلبها؟ والله لو أن الزوج ابتدأ زوجته بمثل هذه الأخلاق لملك قلبها.
فإن الزوجة لو جئت في يوم من الأيام تقول لها: أمك لها عليَّ حق، ولها عليكِ حق، وأبيك له عليَّ حق، وله عليكِ حق، فلنذهب لزيارتهما، كيف يقع ذلك في قلبها؟ ولو أنها يوماً من الأيام قالت لك: يا فلان! والدك له عليّّ حق، ووالدتك لها عليَّ حق، أريد أن أزورهم، كيف يقع هذا في قلبك؟ يقع موقعاً كبيراً، فبمثل هذه الأخلاق وبمثل هذه الأمور يكون الترويح وتكون الصلة التي أمر الله بها.
أيضاً تكون بركة لك؛ لأن المرأة الصالحة التي تصل أمها وأباها وتصل قرابتها مباركة؛ لأن صلة الرحم بركة: (من أحب أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه، وأن يزاد له في عمره، فليصل رحمه).
فإذا وفقك الله بامرأة تبحث عن قرابتها وتصلهم، فكن أول من يعينها على طاعة الله ومرضاته، فصلة الرحم من الأمور التي ينبغي أن يتواصى بها.
تصور لو أنك في يوم من الأيام جئت إلى والد الزوجة أو والدة الزوجة، وقلت: أريد منكم أن تأتوا عندنا، وتذبح لهم شاة تقصد بها وجه الله، وتقصد بها صلة الرحم، كم يكون لك فيها من الأجر؟ فوالد الزوجة له حق كبير عليك، فقد اختارك ورضِيَكَ من بين الناس لابنته، أو رضِيَك لأخته، هذا شيء ليس بالسهل ولا تستطيع أن تكافئه إلا بالدعاء، فكن خير زوج لأبي زوجتك: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:١] فصلهم وبرهم ولو مرة في العام.
هل أحد يتصور زوجاً على ديانة واستقامة لم يدع أهل زوجته إلى طعام في بيته يوماً من الأيام؟! ينتظرهم يزورونه، وقد يحرجونه، فيجلسون إلى ساعات متأخرة! والله إن بعض الزوجات تقول: إن أبي وأمي يأتيان ويجلسان إلى ساعة متأخرة في الليل، وينصرفان من عندي بدون عشاء! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
لما أراد علي أن يتزوج فاطمة قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فذكر أبا العاص - زوج زينب وأبا أمامة - رضي الله عنه وأرضاه فأثنى عليه خيراً، وسبب ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه، أنه لما أخذ أسيراً يوم بدر، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقه من الأسر، قال: أطلقك من الأسر لكن تبعث لي زينب، فمضى إلى مكة ووفى للنبي صلى الله عليه وسلم فبعث له ابنته زينب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حافظاً لهذا العهد، فأثنى عليه خيراً.
فبيوت الزوجية لا بد أن تقام على مثل هذه المعاملة، أن تكون خير زوج لابنة من زوجك، وخاصة إذا كان الشخص ملتزماً أو ينتسب إلى الهداية، فإنه محل نظرة إجلال، ولذلك تجد بعض الرجال يقول: فلان يفعل بي كذا، وقد يكون الزوج الثاني غير ملتزم يفعل أشد منه، ولكن يقول لك: هذا ملتزم، هذا مهتدٍ، كيف يفعل هكذا؟ إذا كان الإنسان على استقامة ينبغي أن يكون خير الأزواج لوالد زوجته.
فهذه أمور مما يوصى بها، فإن العناية بالأرحام تحقيق لما أمر الله عز وجل به، فهذا من صلة الرحم، ومن إدخال السرور على الأهل، وقد يدخل الإنسان السرور على زوجته فيكون قربة بينه وبين الله، ولذلك يقول العلماء: "العادات تنقلب عبادات بالنية".
فإن إدخال السرور على أهل الزوجة عادة، لكنها تنقلب عبادة باحتساب الأجر عند الله.
فكن -أخي- ذلك الرجل، كن ممن يدخل السرور على المرأة، كما أنك تحب أن تدخل السرور على نفسك، فأدخل السرور على نساء المؤمنين، وكن وفياً كريماً.