للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستجابة لداعي الكتاب والسنة]

السبب الثالث من أسباب الثبات على الهداية: الاستجابة لداعي الكتاب والسنة، فإذا أتتك الآية من آيات القرآن، وأتاك الحديث من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم أو إقراره أو عمله، تلهفت نفسك شوقاً للعمل به، فإنه ما من عبد يدمن الطاعة لله عز وجل ورسوله ثم تزل قدمه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:٢٩] إخواني! لأنه ما من إنسان يسعى جهده في تطبيق أوامر الشرع، والتزام أوامر الكتاب والسنة إلا ثبّت الله قدمه على الهداية.

فلتتأثروا بمواعظ القرآن كلام الرحمن، واغسلوا القلوب بذلك الدواء النافع والعلاج العظيم، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:٦٦ - ٦٨].

من تأثر بمواعظ القرآن وانكسر قلبه خشية للرحمن، فإن الله يثبت له الجنان، ويجعله على استقامة وطاعة لله عز وجل؛ ولذلك ما عرف عن إنسان حريص على اتباع السنة وتطبيقها -في نفسه وولده وأهله- أن قلبه ينقلب عن طاعة الله يوماً من الأيام؛ لذلك -إخواني- انتهجوا هذه المناهج الكريمة، وتعرضوا لنفحات من الله ورضوان، وذلك إنما يكون بالتأثر بآيات القرآن.

لقد كان السلف الصالح من أقوى العباد وأكملهم استجابة لأوامر الكتاب والسنة، فصلحت لهم الأحوال، وأوجب الله لهم حسن الخاتمة والمآل؛ فمن تغذى قلبه بمحبة الكتاب والسنة، فإن الله تبارك وتعالى يثبت قلبه؛ لأن القرآن طريق الهداية الأول الذي لا هداية إلا عن طريقه.

قال الله في محكم كتابه: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] فدل هذا على أن الوحي طريق الهداية، وأن العبد إذا اهتدى بالوحي دعاه ذلك للثبات على سبيل الله وطاعته ومرضاته، وكذلك السنة؛ فهي نور على نور، ورحمة على رحمة، فمن اقتفى آثار النبي الكريم هداه الله تبارك وتعالى وثبت الله قدمه على الهداية، قال الله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨] اتبعوا هذا النبي الكريم لعلكم تهتدون، فكل من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متأثراً بأقواله وأفعاله فإنه يحب السنن، ويحب تطبيقها والتزامها وكلما سمع سنة كان جل همه أن يطبقها، فذلك هو العبد الذي أوجب الله له الهداية والثبات.

إخواني! ينبغي للإنسان أن يُغذي قلبه بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة تدعوه أن يؤثره على كل شيء حتى على نفسه التي بين جنبيه، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ) فإذا كان العبد يحب الله من كل قلبه، ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم محبة تدعوه إلى المتابعة الصادقة المجردة من الهوى، فإنه لا شك أنه من أسعد العباد وأفوزهم بالهداية، ولذلك لما تأثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بآثاره واهتدوا بهديه كانوا أكمل الأمة ثباتاً على الحق؛ اكتمل لهم الإيمان عندما تأثروا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدمنون تطبيقها، ولا يطمئن الرجل منهم إلا بالتزامها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقد تأثروا بتلك السنة حتى كان الواحد منهم يحب الطعام الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك -إخواني- ينبغي للإنسان أن يُغذي قلبه بمحبة السنن والآثار والسير على نهجها والاقتفاء بآثارها.