إن ذهاب العلماء ثُلمة في هذا الدين، فما هو توجيهكم لطلاب العلم تجاه هذا الموقف حتى تسد ثغرات هذا الدين؟
الجواب
إلى الله المشتكى، إي ورب الكعبة، ثُلمة في الدين ومصيبة في قلوب المؤمنين، لا يجبُر كسرَها إلا الله رب العالمين، العلماء أئمة الدين، الهداة المهتدون، جعل الله بقاءهم رحمة، وقبضهم إليه نقمة وعذاباً على العباد، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من علامات الساعة:(قبض العلماء)، يا لله كم من أمة أحبت ربها وأحبها ربها بسببهم، يا لله كم من أمة زكت وصلحت وأصلح الله بها بسببهم! يا لله كم من ضال -بإذن الله هدوه- وكم من تائه أرشدوه! وكم من غاوٍ دلوه! وكم من حائر أخذوا بحجزه إلى صراط الله! فقدت الأمة علماءها، وأصبحت في غربة في كثير من مسائل دينها، وكان من أعظم ما بلينا به ونشتكي إلى الله مصابه، فقد عالم الأمة وإمامها سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسبغ عليه شآبيب الرحمات، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم ارفع درجته في المهديين، واخلف أهله في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، اللهم افسح له في قبره ونور له فيه.
يبكيه طالب علم كان علّمه وتائه عن سبيل الرشد أرشده نبكي عليه جميعاً إن مفقده لم يبق من مسلم إلا وأجهده سحت على ذلك العبد الرضا ديم من الرضا وأنار الله مرقده رحمه الله برحمته الواسعة، وأنار قبره بأنواره الساطعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير الجزاء، وفقدت الأمة كذلك العالم الحجة والإمام الصالح: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله برحمته الواسعة، وأنار قبره ونور مضجعه، وجزاه عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الجزاء، فكم بين للأمة حديث رسولها صلى الله عليه وآله وسلم، وكم سهرت عيناه وخطت يداه -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- كي يبين للأمة الهدى من الضلال، والحق من الباطل، أسأل الله العظيم أن يُعظم أجره وأن يجزل مثوبته، وأن يلحقنا به غير خزايا ولا مفتونين، ونسأل الله العظيم أن يبارك لنا فيما بقي من علمائنا، وأن يعظم نفعهم، وسلوتنا وجود العلماء الذين نسأل الله أن يبارك في علمهم وأن يبارك في جهودهم وفي طلابهم، وأن يُعظم الأجر لهم في الدنيا والآخرة.
أيها الأحبة في الله! فقد العلماء ثلمة في الدين، ولذلك ينتشر الجهل والبلاء ويعم الفساد في الأمة إذا فقدت علماءها، والعالم الصالح الورع هو الذي ورث العلم عن أهله واتصل سنده إلى رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، فنقصد مشكاة من مشكاة النبوة وعلماً من أعلام الدين، فالإنسان تنزل به النازلة في ظلمة الليل في أهله وزوجه لا يدري زوجته حلالٌ أم حرام، وتنزل به النازلة في متجره وسوقه لا يدري أكان المال حلالاً أم حراماً، وتنزل به النازلة وليس لها إلا الله ثم العلماء، ولا يعلم قدر ما يقدمه العلماء للأمة إلا الله وحده لا شريك له، فهو الذي يجزيهم ويتولى ثوابهم سبحانه، وهو الذي يعلم كم سهروا من أجل أن يحلوا المعضلات ويزيلوا اللبس والمشكلات، وهو الذي يعلم كم جاهدوا وجالدوا وصبروا واصطبروا؛ ولذلك قذف في قلوب العباد حبهم، وأورثهم المحبة التي ينفق الناس من أجلها الملايين من أجل أن يكتسبوها ولم يستطيعوا إليها سبيلاً، ولكن مقلب القلوب والأبصار أورث العلماء محبة الناس لعظيم حبه سبحانه لهم، فالله إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه، فأهل العلم هم أحباب الله وأولياؤه وصفوته من خلقه.
وأما وصيتي: أولاً: أن نحفظ حق العلماء الذين قُبضوا وأن نكثر من الترحم عليهم، ونذكر حسناتهم، ونكف عن سيئاتهم وعوراتهم، لا نذكرهم إلا بالجميل، فمن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
ثانياً: الحرص على نشر علمهم وفتاويهم، وما بلغوه للأمة، فهذا من أعظم الوفاء وخاصة على طلاب العلم.
ثالثاً: على طلاب العلم أن يجدّوا ويجتهدوا وأن يتداركوا من بقي من علماء الأمة، وأن يحرصوا على طلب العلم عليهم، وأن يصبروا في ذلك ويصابروا، ويحتسبوا الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجبر كسرنا وكسركم، وأن يعظم الأجر لنا ولكم وللمسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.