[كيفية معاملة الخادم والأجير]
السؤال
فضيلة الشيخ طيب الله مسعاك، وكتب الله خطاك في موازين حسناتك، وقد قطعت الفيافي والقفار فجزاك الله خير الجزاء، كيف يعامل الإنسان منا خادمه وأجيره وعامله الذي أتى به من بلاده، خصوصاً وأن مقالةً نسمعها أن خفض الجناح لهم واللين معهم يجعلهم يتكاسلون ويتهاونون في أعمالهم، إجابةً منك تنفعنا وإرشاداً منك يرفعنا جزاك الله خير الجزاء؟
الجواب
أشهد الله الذي لا رب غيره ولا إله سواه إني أحبكم جميعاً في الله، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعنا بهذا الحب في دار كرامته، ووالله ما قطعتها إلا وكأني بين أهلي وإخواني، والله أعلم مقدار سروري أن أراكم، وأن أجتمع بكم في بيتٍ من بيوته، وبعد فريضةٍ من فرائضه، وأسأل الله العظيم أن يمتعنا بكم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.
أخي في الله: ما سألت عنه من الأجير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم ومن كنت خصمه فقد خصمته: رجلٌ أعطي بي ثم غدر، ورجلٌ أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفهِ أجره، ... ) قال العلماء: في هذا الحديث دليل على عظم أمر الأجير، حتى إن الله سبحانه وتعالى صار هو الخصم لعبده، ومن كان الله خصمه فقد خصمه الله، ولذلك قال العلماء: السبب في هذا الحديث أن الأجير ضعيف، وغالباً إذا جاءه مستأجره، وقال له: افعل، أو اتفق معه على شيء لا يستطيع الأجير أن يقول له: أشهِد أو هلم نكتب؛ لأنه يخاف أن يذل أو يؤذى، ولذلك غالباً ما يجعل الله شهيداً وحسيباً على حقه، فتكفل الله جل جلاله أن يأخذ له بحقه في الدنيا والآخرة.
فإذا كان أخوك في الإسلام قد قدم إليك من بلادٍ بعيدة، فارحم غربته، وارحم ما فيه من الحزن والألم من فراق الأهل والأوطان والأحباب والخلان، والله تعالى إذا ابتلاك بمجرد أن تتعاقد مع أحد فاعلم أنها ساعة امتحان، قبل أن تكون ساعة كسبٍ وتجارة، فالدنيا بجميع حركاتها وسكناتها امتحانٌ وابتلاء للعبد، فما رزقك الله الحياة إلا: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] قال بعض العلماء: قال الله: {أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] ولم يقل أيكم أكثر؛ لأن الإحسان لا يرزقه إلا السعيد.
فإذا جئت تعامل الأجير فاتقِ الله أولاً في العقد الذي بينك وبينه؛ فإن الله يخاطبك من فوق سبع سماوات، ويوصيك ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١] فبينك وبينه الله في كل كلمةٍ تقولها، وفي كل شيءٍ تضعه بينك وبينه من شروط وحقوق، فتوفي ذلك على أتم وجه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [مقاطع الحقوق عند الشروط].
الأمر الثاني: إذا كلفته بالعمل فلا تكلفه فوق طاقته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في العبد المملوك وهو ملكٌ للإنسان: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحته فليطعمه مما يطعم، وإذا كلفتموهم فأعينوهم) حتى إنه ندب أن تعينه إذا كلفته بالعمل، هذا وهو ملكٌ لك، وملكٌ ليمينك وتحت أمرك، فكيف بالأجير الذي ليس بينك وبينه إلا العمل.
إياك ثم إياك أن تستطيل في عرض أخيك المسلم، إياك ثم إياك أن تظن أن كونه أجيراً يبيح لك عرضه؛ لأن الله حرم عليك ذلك، فلا تسبه ولا تشتمه ولا تهينه، ولا تخاطبه بالعبارة التي تحقره بها في لونه أو حسبه أو جنسه أو ذات يده، فإن الله مطلعٌ على ما في قلبك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) إياك أن تحتقره، أو تنظر إليه نظرة ازدراء وانتقاص، فإن الله يحاسبك، ولذلك يقول العلماء: هذه من أعمال القلوب التي يحاسب عليها العبد.
لأنك إذا احتقرته في قلبك تأثرت في معاملته، ونظرت إليه ضعيفاً فغلبته لضعفه، أو فقيراً فأذللته بفقره.
وعليك أن تعده أخاً لك في الإسلام، وتقوم معه على المعاملة التي بينك وبينه، وكن مسلماً كاملاً في إسلامك، قد سلم المسلمون من لسانك ويدك، إياك أن تمد يدك عليه بالسوء، أو تمد لسانك عليه بالسوء، فإن الله يأخذ الحقوق قصاصاً، وإن مما يهين ويدخل الرعب في قلوب الناس يوم القيامة ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجدون في صحائف الأعمال مثاقيل الذر من الأقوال والأفعال) أي: الأمور اليسيرة التي ما كانت تخطر لهم على بال، فلذلك يتقي الله الإنسان في مثل هذه الأمور.
الأمر الرابع: أن الإنسان لا يلزم الأجير بشيءٍ لم يلتزمه، بل ينبغي عليه أن يتقيد فيما بينهما وبين العمل، وأيضاً على الإنسان أن ينظر إلى حال الأجير، فإذا وجده مهموماً محزوناً أدخل السرور عليه، ويرفق به ويرحمه، فإذا كان فيه شدة ظمأ أو شدة هاجرة جاءه بماءٍ بارد احتسبه شربة عند الله عز وجل، وكذلك طعام يدخل به السرور عليه.
ولقد رأيت الوالد رحمه الله يأكل مع عماله في المزرعة، وهو عالم يشار إليه بالبنان في المدينة، ولا يحس بغضاضة، بل يشعر بانبساط وبمحبةٍ وألفة، وما سقطت هيبته من قلوبنا؛ لأن الناس يظنون أن هذه المباسطة ذلة، ويقولون: القوة والعبوس والأذية والجفاء صفات الرجولة الكاملة، وكذبوا؛ لأن رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً) ولذلك إذا عفوت عن أي مظلمة يقولون: هذا ضعيف، هذا جبان، هذا ليس عنده كمال رجولة، أو ليس برجل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يكذب هذا فيقول: (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً) يعني هذا الذي يظنه الناس ذلة هو عزة وكرامة لك.
ولذلك يخرج الأجير من عندك وهو شاهد عند خلق الله، وبين يدي الله أنك صاحب عزة وكرامة، (قال: يا رسول الله! كيف أعلم إني أسأت؟ قال: سل جيرانك)، فإن قالوا: أحسنت فقد أحسنت، وإن قالوا: أسأت فقد أسأت، لا تستطيع أن تعرف الرجل على الحقيقة في كمال أخلاقه وجمالها وبهائها وحسنها مثل معاملته للعمال.
نعم، كونه يكون حسن الأخلاق، كريم المعشر مع إخوانه وزملائه، هذا أمرٌ طبيعي؛ لأن القرين مع قرينه قد يخافه ويهابه، ولكن أين المحن وأين الابتلاء الصادق أن تسمع عماله يعطرون ذكره بالذكر الحسن، فهذا هو الذي يدل على أنه مؤمنٌ كامل الإيمان إن شاء الله.
نسأل الله أن يجعلنا ذلك الرجل، والله تعالى أعلم.