في بلادنا تنقص العملة نقصاناً كبيراً، فمثلاً: قبل ست سنوات كانت وحدة العملة في بلادنا تساوي اثنا عشر دولاراً والآن تساوي ستمائة دولار، فهل يجوز أن يشترط على الإنسان عند الدين تقويمها عند الأداء؟
الجواب
لا يجوز، من أخذ ديناً بأي عملة فإنه يرده بنفس العملة، سواءً ارتفعت أو انخفضت واجتهد بعض أهل الرأي فقالوا: يجوز أن ينظر إلى قيمة العملة ويعطيه إياها، وهذا باطل من وجوه.
أولها: أن الله تعالى يقول: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}[البقرة:٢٧٩]، فدلت هذه الآية على أن صاحب الدين، يستحق رأس مال الدين بدون تفريق بين غلاءٍ ونقص.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود: (الخراج بالضمان) وهو حديث صححه غير واحدٍ من العلماء ومتنه مجمع عليه، ومعناه: أن الربح لمن يضمن الخسارة، يقولون: من يتحمل الخسارة يأخذ الربح، فنقول: أرأيت لو أن هذه العملة أصبحت قيمتها بأضعاف أضعافها لطالبك صاحب الدين أن تدفع له نفس العملة، قالوا: كما أنه يطالبك عند غلائها بنفس العملة أيضاً تعطيه نفس العملة عند نقصها، للقاعدة:"إن الغنم بالغُرم".
ولذلك أصول الشريعة تقتضي أن تسدد بنفس العملة ارتفعت أو انخفضت، وهذا وارد، فإن الإنسان قد يأخذ الشيء وقيمته شيء ثم يرده وقيمته أدنى وقد يرده وقيمته أعلى فليس لك إلا مثله، ولأن صاحب الدين قد رضي أن يأخذ هذا القدر بعد سنوات، سواءً كان بغلاءٍ أو كان بنقص.
لكن لو أن إنساناً أعطاك ديناً فأخذت مائة ألف فإن له فضلاً عليك، ومن شكر المعروف أن ترد جميله، فإذا نقصت هذه القيمة تقول له: هذا مائة ألف التي أعطيتني إياها وهذه خمسمائة من عندي، أو هذه ألف من عندي، فقد ثبت أن رجلاً قال:(يا رسول الله! لا نجد إلا خياراً رباعية، قال: أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء)، تعطيه من باب المكافئة على معروفه، ويجوز رد الدين بزيادة إذا لم يكن بشرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن خير الناس أحسنهم قضاء)، فنحن نخرج من الإشكال ونقول له: هذه مائة ألف التي استدنتها منك، وأنت صاحب فضل عليَّ أشكره ولا أكفره وأذكره ولا أنساه، هذه عشرة آلاف مني لك جزاك الله خيراً، وأعظم لك الأجر، ففي هذه الحالة يكون الإنسان قد وفى وكفى وخرج من الشبهة؛ لأنه خرج من الحرام والشبهة ببينة من أمره.