حِكَمُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومصالحه
السؤال
فضيلة الشيخ! يصاب المسلم بشعور الإحباط عندما يرى كثيراً من المحرمات والكبائر, وكذلك يجد من يورد عليه بعض أحاديث الفتن ويقول: هذا زمان الفتن، فيكون في عمله ضعف ويقل عمله, فما هو توجيهكم؟
الجواب
أما بالنسبة لكثرة المنكرات أو وجودها فهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:٢٠].
ثم إن وجود المنكر فيه حِكَم لله سبحانه وتعالى: أولاً: استدراج لأهل الفساد؛ لأنه يستدرج، والله سبحانه كيده متين: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:١٨٣].
ولذلك يستدرج الله العبد من حيث لا يحتسب, حتى إنك ربما تمر على صاحب المنكر وهو يفعل المنكر بكل طمأنينة وارتياح فاعلم أنه مستدرج, إذا رأيت صاحب المنكر أنه بلغ به أن يظهر منكره وهو مرتاح مطمئن النفس لا يحس بشيء، فاعلم أن هذا من الاستدراج لله جل وعلا وكيده به؛ لأنه لو خاف لقل المنكر, لكن يتركه الله سبحانه وتعالى ويعطيه القوة ويعطيه الجلد.
الأمر الثاني: أن ظهور المنكر يكون بحكمة لله سبحانه وتعالى بسبب انطفاء الإيمان من القلوب، وقد ذكر بعض العلماء عن رجل أنه كان يسفك الدماء -والعياذ بالله- وكان معه رجل يعرفه في الخير, وكان الرجل مستقيماً في أول أمره -نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا- وفجأة -والعياذ بالله- أصابه فساد فانتهك في الخمور حتى أصبح -والعياذ بالله- مصراً على البغي والفجور, الشاهد: قال العالم للرجل: أرأيت حينما قتلت أول مرة؟ قال: نعم, قال: ماذا أصابك؟ قال: أصابني خوف, قال: وفي الثانية؟ قال: لم أبالِ, وفي الثانية والثالثة لم يبال كذلك، هذا أمر عجيب! يقول بعض العلماء: لأنه لما نزع الإيمان من قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- أحس بالضيق؛ لأنه كان في سعة فانتقل إلى الضيق, فالمرة الأولى كُبت عدو الله بسبب خروجه -نسأل الله السلامة والعافية- من كمال الإيمان (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ورد في الحديث: (أن الإيمان يخرج منه حتى يصير كالظلة ثم يرجع إليه ناقصاً على قدر ما انتهك من حدود الله) فالشاهد: أن كثرة المنكر استدراج من الله سبحانه وتعالى لأهل الشر.
ثالثاً: قوة لأهل الخير, لأن هذا الأمر مسلَّم, حتى الحكماء يقولون: قوة الخير بوجود ما يضاده.
ولذلك انظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة فجعل الله في وجهه المشركين, وانتقل إلى المدينة فوجد الأنصار والرجال والعدد والعدة وكل شيء يحتاجه بين يديه, بين أمة تفديه بأرواحها, الأنصار كانوا يحبونه وكانوا لا يرضون بأن يمس بأذى صلوات الله وسلامه عليه, ومع ذلك سلط الله عليه اليهود والمنافقين أن يكونوا بجواره, فجمع الله له الكفر بين طائفتين: طائفة تظهر وطائفة تسر, حتى نعلم شعائر الإسلام، نعلم كيف نعامل, يعني: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من عجائب ما مر -وهذا في الصحيحين - أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم على مجلس من مجالس الأنصار فاختصموا فيه حتى هموا أن يضربوا بعض والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم, فهذه فتنة بحضور النبي صلى الله عليه وسلم, وتقع الفتنة ابتلاء من الله واستدراجاً.
قضية الإفك عرض النبي صلى الله عليه وسلم, خاض فيها من خاض, وهذا يدل على أن الشر وجد ابتلاءً، حتى يظهر إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين, وتنكشف حقائق الناس, ولذلك لا بد من وجود هذا الابتلاء وكثرة المنكرات.
الأمر الرابع: فيه خير لأهل الخير، فافرض أنك خرجت من بيتك فرأيت منكراً ماذا سيكون في قلبك إذا كان هناك إيمان؟ ستتألم ويتمعر وجهك وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل, هذا الغيظ الذي في قلبك قربة إلى الله سبحانه وتعالى, وعمل صالح، وشهادة منك أنك غير راضٍ على هذا.
وقد يكون وجود المنكر أيضاً ينبه, فالآن لما ترى المنكر تخاف على نفسك وتخاف على أهلك وولدك.
وآخر ما أختم به مثالاً من الأمثلة: لو أن الناس في سفينة, والسفينة هادئة دون أمواج وهي على البحر دون أن تجد أي شيء يعكر صفاها, هل يشعرون بمقدار النعمة التي هم فيها؟ قد يغفلون, لكن حينما يمرون بهذا الوضع فيرون أمام أعينهم سفينة تغرق وأناساً تتلاطم بهم الأمواج ماذا سيفعلون؟ سيحمدون نعمة الله على ما هم فيه.
فلذلك كثرة الفتن لا تدعو الإنسان لأن يتقاعس أو يضعف أو يجبن, لا.
والذي يهمنا -أيها الإخوة- أن نبلغ رسالة الله, وأن نؤدي أمانة الله، وهذه الأيام وإن عظمت فتنها لكن الأجر فيها عظيم, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (للعامل فيهن مثل أجر سبعين, قالوا: يا رسول الله! منا أو منهم؟ قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون على الحق أعواناً) يقول العلماء: مثل أجر سبعين من الصحابة قالوا: نعم, توضيح ذلك قالوا: في أيام الصحابة لو جئت تنكر منكراً كل الناس معك, وكل الناس تقول: أنت على حق, وهذا منكر وجزاك الله خيراً، ويقفون معه ويشدون من أزره, لكن الآن إذا جاء إنسان ينكر منكراً قالت له الزوجة: لا تنكر, ما نحتاج إلى مشاكل, وقال له الأولاد: لا تنكر, وقال له الأخ: لماذا أنت تؤذي الآخرين؟ مالك ومال الناس؟! ثم جاءه المجتمع: ما هذا؟! يا فلان لماذا تؤذي الناس؟ لماذا تضيق على الناس؟ إذا تكلمت الزوجة وضيقت عليك فلك أجر, إذا تكلم الابن وضيق عليك فلك أجر، والمجتمع كذلك, فتأخذ الأجر من هنا ومن هنا حتى تبلغ أجر السبعين, وهذا يدل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان, خاصة إذا كان الإنسان جمع بين العلم والعمل والدعوة الصادقة الخالصة لوجه الله الكريم.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل.
والله تعالى أعلم.