للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أضرار الخمر والمخدرات والتحذير منها]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف بإذن الله عن العباد الغمة، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وصاحب رسالةٍ عن أداء رسالته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي بداية هذا اللقاء أزجي عاطر الشكر والثناء للجمعية الفيصلية الخيرية، ولمكتب الدعوة بمدينة جدة، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يتقبل منا ومنهم ما يكون من خير في هذا اللقاء.

أخواتي المسلمات! شكر الله مسعاكن، وثقل في موازين الحسنات خطاكن، إذ خرج النساء إلى الدنيا الفاتنة وخرجتن تبتغين الله والدار الآخرة، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثيبكن على هذا الخير العظيم.

أخواتي المسلمات! إن الله وعظكن فأحسن وعظكن، وأدبكن فأحسن تأديبكن، وعلمكن الخير وهداكن، هذا كتاب الله بين أيديكن؛ لا تنتهي مواعظه ولا تنقضي آياته وعبره، يقود المؤمنة بالله إلى صراط من الله ورضوان من الله، يقودها إلى محبة الله ومغفرة الله، إنه الكتاب الذي هدى الله به الأولين والآخرين، فيه ذكر الصالحات والقانتات والعابدات والصادقات والصابرات، فيه ذكر الخيرات والحسنات، أقبلت عليه المؤمنة ترجو به غذاء روحها، وسبيل ربها، والتقرب والتحبب إلى فاطرها، فكم قرب الله قلوباً منهن إلى الله! وكم أجرى منهن المدامع من خشية الله! إنه الكتاب الذي هدى الله به إلى الصواب، وأقام به على منهج السداد، وطريق الرحمة والرشد في الأولى والمعاد، هذا الكتاب العظيم فيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، والبشارة والنذارة، فيه النداءات إلى الطاعات والخيرات، أو ترك الفواحش وهجر المنكرات، ومن هذه النداءات التي تفتحت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات نداء في سورة كريمة نادى الله عز وجل به القلوب المؤمنة الرحيمة، ناداها بذلك النداء لكي يكون سبباً في نجاتها من البلاء، إنه البلاء وأي البلاء! بل الشقاء وأي الشقاء! نادى الله عزوجل به المؤمنين فكسرت من أجله أواني الخمور، وهجرت به أسباب الغي والشرور، فأريقت في سكك المدينة قربة لله، وفراراً من الله إلى الله، هاتان الآيتان الموعظتان الكريمتان تنزلتا من الرحمن لكي يفر بها المؤمن من سبيل الشيطان، ومن داعية الفجور والفسوق والعصيان إلى داعية الحب والطاعة لله الرحمن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:٩٠ - ٩١].

سمعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الوقفة الأخيرة مع الشهوة التي مالت إليها النفوس، فأريقت من أجلها الدنان وكسرت الكئوس، وفرت إلى الله جل وعلا بقلوبٍ وعقولٍ سليمة لا يتسلط الشيطان عليها بالعواقب الأليمة والوخيمة.

هذه الآية الكريمة أراد الله أن يرحم بها هذه الأمة، فلو كانت الأمة تشرب الخمور، ولو كانت الكئوس باقٍ حلالها فكيف يكون حال الأمة أم كيف مآلها؟! لو تصورنا بقاء حل الخمور كيف يكون حال الناس في الفسق والفجور؟ إنها النعمة التي رحم الله بها هذه الأمة فكشف بها سبباً من أعظم أسباب البلاء والغمة، رحم الله هذه الأمة الطاهرة، هذه الأمة العابدة القانتة الصالحة، فأنقذها يوم حرم الخمور فأريقت في سكك المدينة خوفاً من البعث والنشور، إنها النجاة من ذلك البلاء العظيم والخطر العميم، إنها النجاة من الجحيم وأي جحيم؛ جحيم المسكرات، جحيم المخدارت الذي من أجله انتهكت الأعراض، وسفكت الدماء، وانتشرت الأسقام والأمراض، فيا لله كم من أم عذبت بهذا البلاء! ويا لله كم من آباء لقوا العناء! ويا لله كم فرق بين الأحبة والأصدقاء! إنها الكأس المهلكة والحبة المفنية، إنها الكأس والحبة التي تلتذذ بها النفوس ساعة وتتعذب دهوراً، إنه الجحيم الذي لم يرحم دموع الأمهات، ولم يرحم دموع الأبناء والآباء والبنات، إنه الجحيم الذي وقفت الأم تريق بسببه دموعها على صبيها أو صبيتها يوم أن فارقها في حوادث مؤلمة، إنه الجحيم الذي وقفت فيه الأم تريق دموعها وبينها وبين ابنها وفلذة كبدها قضبان السجون وقد أريقت الدموع على فراقه، إنه الجحيم الذي نظر فيه الأبناء والبنات إلى رب الأسرة وقد انتهك الحدود، وغشي المحرمات؛ فلا يرحم صغيراً لصغره ولا أرملة ضعيفة بين يديه، كم سهر من أجل هذا الجحيم؟ سهرت عيون تكابد شقاءه، وتعاني عناءه، فلا راحم إلا الله ولا مفر منه إلا إلى الله.

إنه الجحيم والعذاب الأليم، كأس تقود إلى كئوس، وتعذب الأرواح والنفوس، وحبة تجلب الحبوب، وتنتهي إلى الهموم والغموم والكروب، فيا لله من قلوب سقمت، وأرواح تعذبت وحارت! ويا لله من عقولٍ ذهبت، وأجسادٍ خارت، وشباب غض طري طمس نور وجهه وذهب البهاء من رؤيته، كل ذلك عناء تعانيه الأمة، وويلات تجنيها من هذه الغمة.

إنها الكئوس المهلكة، والحبات المردية القاتلة، إنها الحبة التي لعن الله حاملها والمحمولة إليه وبائعها، لعن الله مروجها، لعن الله آخذها ومتعاطيها، إنها الإبرة التي لعن الله حاقنها والمحقونة فيه، وواجد لذتها، وصانعها، وبائعها، وشاريها، وآكل ثمنها؛ كل أولئك لعنهم الله {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:٥٢].

والله ما من حبة حملت في كفٍ إلا حمل حاملها وزرها، وما من حبة تسببت في ذهاب عقل إلا حمل صاحبها إثم ذلك العقل، وما من حبة تكون سبباً في ذهاب نفسٍ إلا حمل حاملها وزر تلك النفس التي هلكت بسببها، إنها الحبوب التي تجنى بها الأوزار وتوجب سخط الجبار، ونقمة القهار، وسطوة الواحد القهار، إنها الحبة المهلكة المردية المشقية.