للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفكر في آيات القرآن]

أما الأمر الثاني إليك يا قائم رمضان: أن تتفكر في آيات القرآن وأن تتأثر بهذه العظات البالغات تذكر من الذي يناديك! تذكر من هذا كلامه! تذكر هذه النداءات وما انطوت عليه من الخيرات لك في الدين والدنيا والآخرة! واستجمع الفؤاد وعش مع هذه الآيات في عظاتها! عش مع أهل الجنة في نعيمهم وسرورهم حتى تتحرك النفس إلى الجنان، وعش مع أهل النار في جحيمهم وسعيرهم فإن هذا يزكي الفؤاد حال تذكرهما، ويكسبه الرقة والخوف من رب العباد، فما تفكر عبدٌ في آيات القرآن إلا تذكر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧] كن ذلك المدكر! فكم من أناس وقفوا! وكم من أناس بين يدي الله انتصبوا! تفكروا في آيات القرآن فخرجوا بعظات بالغات! وكم من آيات تفكر فيها العبد بقيت في قلبه ما شاء الله أن تبقى! تفكروا في القرآن فكم نحن عنه بعيدون! {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:١] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُور} [يونس:٥٧] فاعرض القلب على مائدة القرآن، فإن كنت كما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فاحمد الله تبارك وتعالى، إذا وجدت هذه الآيات التي اشتملت على الواجبات قد حققتها فالهج بالثناء على الله تبارك وتعالى، وإن وجدت التقصير والبعد عن هذه الآيات فحفز النفس للكمال، وذكرها التقصير في حق الكبير المتعال، القرآن ما نزل لكي يتلى فلا يتذكر التالي، ويُسمع فلا يتذكر السامع، كم من قائم سمع الآيات فكانت عليه حجة يوم يقوم العباد لرب العالمين! فالله الله أن تسمع في القرآن عظات لا تلقي لها بالاً، ولا تحسن الاستجابة لنداءاته، ولا التفكير في آياته، ولا التأثر بعظاته، والمحروم من حرم ذلك، فوالله ثم والله إن الشقاء كل الشقاء أن يحرم العبد التذكر بالقرآن، وإنه والله لمن السعادة كل السعادة أن يكون العبد متأثراً بالقرآن، كم من أقوام قاموا في رمضان فحرّكوا النفوس للتأثر بآيات القرآن! ما خرج رمضان إلا وهم خاشعون، كم من أناس أخذوا من رمضان ثمرات كان منها الخشوع في الصلوات والتأثر لآيات القرآن! أيها القائم بين يدي الله تفكر! كم تمر علينا شهور وأيام وليالٍ لا نقرأ القرآن إلا قليلاً! فهذه فرصة، هذه نعمة، هذا موقف، هذا موسم يهيئ العبد للتفكر في القرآن.

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون إذا كان رمضان، وكان أجود ما يكون إذا لقيه جبريل، وكان يلقاه جبريل في رمضان كل ليلة فيدارسه القرآن، فإذا لقيه كان أجود بالخير من الريح المرسلة).

قال بعض العلماء: التأثر بالقرآن والجلوس في حلقه والتفكر في آياته من أعظم الأسباب التي تحرك العبد إلى طاعة ربه، فإذا لقيه جبريل (كان أجود بالخير من الريح المرسلة) قال بعض العلماء: قوله (أجود بالخير) خيران: خير الحس وهو السخاء والجود، وخير المعنى وهو بذل العلم وتذكير العباد وهدايتهم وإرشادهم للخير.

هذه مدرسة تذكر العباد بالإقبال على الله في قيام رمضان، لذلك ينبغي لك أيها القائم أن تتذكر بهذا القيام ما يدعوك إلى محبة الله ورحمته.