[حكم الإحسان إلى الوالدين إن أساءا المعاملة والتربية]
السؤال
مشكلة يعاني منها بعض الشباب، يقول أحدهم: إني شابٌ معاملتي سيئةٌ لوالديَّ وإخواني وذلك بسبب سوء تربيتهم لي، فهل علي شيءٌ في ذلك؟ أرجو الإرشاد جزاك الله خيراً.
الجواب
أما الشيء الذي عليك: فتراه إذا اجتمع الخصوم بين يدي الله جل جلاله، تراه حينما تصْطَكُّ قدمك، فترى في صحيفة عملك أنك قد خَرَجْتَ من الدنيا عاقَّاً لوالديك والعياذ بالله.
إن إساءة الوالدين لا تدعو الابن للإساءة، إذا أساءا إليك فأحسن إليهما، فإن الله قد أمرك ببرهما، أحسِن إلى الوالدين ولو أساءا، وأنعم إليهما ولو كَفَرا، وكن معهما ولا تؤذهما، فإن الله أوصاك من فوق سبع سماوات أن تقول لهما قولاً كريماً، وأن تخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأن تقول: {رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:٢٤].
لا تؤذهما، فإن الله لا يرضى منك أذيتهما، قابِلِ الإساءة بالإحسان، فإن أحبَّ البَرَرَة إلى الله وأعظم ما يكون البِرُّ: إذا كان من ابن يؤذيه أبوه وأمه، أفضل ما يكون البِرُّ إذا كان الوالد يؤذيك، وأفضل ما يكون البِرُّ إذا كانت الأم تهينك، أفضل البِرِّ يكون حينما تجد الإساءة وتقابلها بالإحسان؛ لأنك تريد ما عند الله، وتريد أن تمتثل أمر الله، ولا تريد منهما جزاءً ولا شكوراً.
فيا للهِ من ابن أحسن إليهما مع إساءتهما! فأحبه الله بذلك الإحسان، وبُشِّرَ البارُّ بكل خيرٍ من الله، فمَن حَفِظَ وصية الله في والديه فإن الله عز وجل سيوفقه لكل خيرٍ يرجوه، واللهِ ما قرع البارُّ باباً من الخير إلا فتحه الله في وجهه، ولا سلك سبيل طاعةٍ إلا يسر الله له من أمره.
بر الوالدين من أعظم القربات، وأحبها إلى الله، فابكِ على الأيام التي مضت، ثم تذلل لهما، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٤]، واسألهما قبل أن تبيت ليلتك هذه العفوَ منهما، واطَّرِح بين أيديهما، وقل: قد أسأتُ إليكما، وإني تائب من الإساءة إليكما.
فلا تدري فقد تكون هذه هي آخر ليلةٍ لك من الدنيا، فاللهَ الله أن تصبح وقد عققت والديك! ثم أعلموا يا إخواني: أن من أفضل ما يتقرب به الشاب المهتدي بعد توحيد الله: بر الوالدين، وقد قرنه الله بتوحيده، فالذي يريد التوفيق، والذي يريد المعونة والتيسير فليكن بوالديه رحيماً، حتى ولو كانا أمواتاً، فإن الوالدان أحوج ما يكونان إلى بر الولد إذا قُبِضا وانتقلا من الدنيا، أحوج ما يكون الوالدين إلى بر الولد إذا انتقلا إلى الله جل جلاله، أحوج ما يكونان إلى دعوة صالحة منك، قال: (يا رسول الله، هل بقي من بري لوالدَي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)، واللهِ ما ذكرتَهما بدعوة إلا سخر الله لك إذا صرت إلى مصيرهما من يذكُرك بمثلها وخيرٍ منها، فاحتسب عند الله في بر والديك أحياءً وأمواتاً.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لبرِّ الوالدين، وأن ينجينا من العقوق، وأن لا يجعلنا من أهله.
فإن العاق ولو كان مطيعاً فهو محبوس عن الجنة، قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف:٤٦] قال: إنهم رجال خرجوا إلى الجهاد دون إذن الوالدين، استشهدوا وقُبِلَت شهادتهم، فإن أرادوا دخول الجنة بالشهادة حبسهم العقوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة عاقٌّ)، وإن أرادوا دخول النار بالعقوق حبستهم الشهادة، فالشهيد كريم عند الله جل جلاله، فيُحْبَسون عن دخول الجنة، ثم بعد فترة يؤذن بدخولها، ولذلك قال الله عنهم: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف:٤٦] يعني: يطمعون في دخولها؛ ولكن يُحبسون بسبب عقوق الوالدين.
فعقوق الوالدين أمر خطير.
بل قال بعض العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عاقٌّ) قال: إن معناه أن الغالب في العاق أن لا يوفق لحسن الخاتمة -نسأل الله السلامة والعافية- والغالب أن الله يستدرجه حتى يمكر به -والعياذ بالله- فيأخذه على سيئةٍ يَشْقَى بها، فيخسر الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
نعوذ بالله من العقوق.
فإياك أن تصبح وفي قلب والديك عليك شيء.
إياك أن تخرج من هذا المسجد وتفكر في شيء إلا أن ترضيهما قبل أن يناما ليلتهما هذه، فلعلها أن تكون آخر ليلةٍ لك من الدنيا.
فاتقِ الله في والديك، اتقِ الله في الوالدين، وامتثل أمر الله.
نسأل الله العظيم أن يسلمنا من الزلل، وأن يعصمنا في القول والعمل.
والله تعالى أعلم.