الحالة الثانية التي يظهر فيها يقين الإنسان: إذا نزلت به المصيبة، ولذلك يصاب المؤمن في نفسه، ويصاب في أهله، ويصاب في ولده، وتأتيك تلك الساعة، يأتيك ذاك الخبر المزعج المؤلم على قلبك وفؤادك، فتُخبر بابن فقدته، أو ابنة أو أب أو أم أو صديق عزيز عليك وفيٌّ لديك، فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقلبك كله يقين أن الخلف والعوض من الله رب العالمين، فسرعان ما يكون من الله لطفه، وسرعان ما يكون من الله عطفه.
فما ألذ اليقين، إذا نزلت المصائب بعباد الله المؤمنين، والله! ما أُصيب إنسان في نفسه أو في أهله وولده أو في ماله أو في أي شيءٍ عزيز عليه واعتقد في قلبه أن الله يعوضه إلا عوضه الله عز وجل، فيجب ألا يكون في قلب الإنسان مثقال ذرة من سوء الظن بالله، ولذلك الشيطان أحرص ما يكون في مثل هذه المواقف، وتجد المؤمن إذا أصابته المصيبة يأتيه الشيطان من كل حدب وصوب لكي يخيب ظنه بالله، يقول له: لو كنت مؤمناً ما ابتلاك الله بفقد ولدك، ولو كنت مؤمناً ما ابتلاك الله بفقد ابنتك، ولو كنت مؤمناً! ما ابتلاك الله بفقد مالك، ولو كنت ولو كنت ولكن ما أحسن عبد ظنه بالله فخيبه الله أبداً، إياك أن يدخل إلى قلبك مثقال ذرة من سوء الظن بالله عز وجل، فلعلك عندما تفقد المال تخرج منك كلمة تثني بها على الله فيحبك الله حباً لا يسخط عليك بعده، وقد يرفعك الله بهذه الكلمة إلى درجة لا تبلغها بكثير صلاة ولا صيام.
ذكر رجل أنه في ذات يوم من الأيام دخل على أبيه وهو في هم وغم، فلما نظر إليه سأله، فإذا به قد أصابه دين، يقول هذا الرجل -وكان من عباد الله الصالحين، ومن الشباب الأخيار-: فكان دين والدي بمقدار عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، وكان مالي عشرون ألف تعبت عليها حياتي وأنا أجمع هذا المال؛ لكي أبني مستقبلي، فلما نظرت إلى ما أصاب أبي ذكرت وصية الله بالوالدين، وذكرت وصية الله بالإحسان إليهما، فقلت في نفسي: لو أنني أعطيته هذا المال الذي أملكه، فجاءني الشيطان وقال لي: تعبك ومالك ومستقبلك يضيع في هذه اللحظة، يقول: فأصبحت في صراع هل أعطيه أو لا أعطيه! فقررت أن أعطيه، قال: فذهبت فأخذت المال وكلي يقين بأن الله سيعوضني عني، فوضعت الخمسة عشر ألفاً بين يديه، وأنا على يقين بأن الله لا يخيبني، يقول: فلما وضعتها بين يديه فاضت عيناه بالدمع وقال: أسأل الله العظيم أن يفتح لك أبواب فضله، يقول: فقمت من عنده، وما مضت إلا أيام قليلة فدُعيت إلى مناسبة فيها رجل من الأثرياء، وكان يبحث عن رجل يقوم على أمواله، فقال الرجل الذي استضافه: لن تجد أصلح من هذا الرجل الذي أمامك، يقول: فأخذني وكيلاً على ماله، وكانت أول صفقة لي من ذلك المال في أول بيعة مائتا ألف ريال، فرحمة الله عز وجل ولم يخيبه سبحانه.
ولربما أن الإنسان قد يصاب بفقد البصر، فيسترجع ويحمد الله عز وجل، فيعوضه الله إيماناً في قلبه، ويقيناً بربه، وقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واشتكت إليه ما تجده من فقد عقلها والمس الذي أصيبت به في نفسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك، قالت: أصبر ولي الجنة) فكانت امرأة مبشرة بالجنة وهي تمشي على وجه الأرض، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لأصحابه:(هل أريكم امرأة من أهل الجنة؟ انظروا إلى هذه المرأة السوداء) رضي الله عنها وأرضاها.
ما أيقن أحد بالله عز وجل فخيبه الله سبحانه وتعالى، فاليقين بالله هو حلاوة الإيمان.