[سوء المعاشرة]
أولها: سوء المعاشرة من الزوجين أو أحدهما، فإذا أساء الزوج عشرة زوجته وأصبح لا يبالي بالكلام الذي يقوله ولا يبالي بالفعل الذي يعمله، عندها تبدأ المشاكل، وعندها يراقب كل من الزوجين الآخر في كلامه وتصرفاته، ولذلك ندب الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين وحثهم في كتابه المبين على الكلام الطيب في عشرة الأزواج: أن يعاشروهم معاشرةً طيبة وصية من الله تبارك وتعالى، يقول جل شأنه وتقدست أسماؤه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] قال بعض السلف وهو قول مأثور عن ابن عباس وغيره: {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] أي ولداً صالحاً.
ولذلك قالوا: إن الزوج إذا صبر على أذية زوجته وعاشرها بالمعروف مع أذيتها وإساءتها قد يرزقه الله منها ولداً صالحاً، وقد ذكروا عن رجل من السلف الصالح رحمه الله أنه دخل عليه طالب من طلابه فرأى ابناً باراً فعجب ببره فلما خرج الابن قال ذلك العالِم الجليل: أتعجب من بره؟ قال: إي والله، قال: والله لقد عاشرت أمه عشرين أو ثلاثين عاماً ما تبسمت في وجهي يوماً قط فصبرت فعوضني الله ما ترى، وعن بعض السلف -وهو أبو زيد محمد القيرواني رحمة الله عليه إمام جليل من أئمة العلم والدين- أنه كانت امرأته فظةً غليظةً تؤذيه بلسانها، فلما أكثرت عليه اشتكى طلابه وقالوا له: كيف تصبر عليها؟ وكيف تعاشرها بالمعروف وهي تسيء إليك؟ فقال رحمه الله -أقوام يعرفون كيف يعاملون الله-: إني أعاشرها بالمعروف، وأما قولها فبلاء لعلي أصبت ذنباً فعوقبت بها، فلو طلقتها لعاقبني الله عقوبة أشد منها.
فلذلك كان السلف رحمهم الله يعاشرون بالمعروف مع إساءة الزوجة وإعراضها، فأصدق معاشرة من الزوج لزوجه وأصدق معاشرة من الزوجة لزوجها إذا أساء إليها، لن تكون معاشراً بالمعروف إلا إذا كانت زوجتك تسيء إليك، ولن تكون المرأة معاشرة بالمعروف الحق الذي تؤجر عليه من الله ويعظم فيه ثوابها إلا إذا كان زوجها يسيء إليها، فالمعاشرة الكاملة بالمعروف التي يعظم ثوابها عند رب العالمين إذا كانت الإساءة من الزوجة، فعلاج هذه المشكلة وهي سوء المعاشرة أن يعاشر الزوج أهله بالمعروف وأن يصبر ويتحمل.
جاء عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد آذته امرأته بسبابها وشتائمها، فجاء إلى عمر لعله أن يشتكيها إليه، فلما وقف بباب عمر في الظهيرة سمع امرأة عمر تسب عمر فعجب وقال: إذا كان هذا أمير المؤمنين فما حال عقيل؟! فرجع من ساعته ورآه عمر فناداه فقال: يا عقيل! ما شأنك؟ قال: خيراً يا أمير المؤمنين، قال: عزمت عليك أن تخبرني، قال: يا أمير المؤمنين! ما هو إلا أن فلانة آذتني وأسمعتني ما أكره فقلت: آتي أمير المؤمنين وأشتكي إليه، فلما وقفت بالباب سمعت امرأة أمير المؤمنين تسب أمير المؤمنين، فقلت: إذا كان هذا أمير المؤمنين فكيف بـ عقيل؟ فقال عمر رضي الله عنه: يا عقيل! إنها امرأتي ترضع صغيري وتغسل ثوبي فأنا أمسكها من أجل ذلك.
يعني: إذا ذكرت لها المعروف وإذا ذكرت لها الإحسان غفرت إساءتها، وهذا معنى لطيفٌ مستنبطٌ من الحديث الشريف الذي ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً -لا يفرك: أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة- إن كره منها خلقاً أحب منها آخر).
ولذلك كان من وصايا الحكماء: أن الإنسان إذا رأى الزلة غفرها بما هو أعظم منها، فإذا وجد كلامها غير مستقيم، أو تسبه أو لا تحسن الخطاب معه غفر لها ذلك بإحسانها في طعامها وشرابها وتذكَّر من يسيء بالقول الذي هو أشد، وإذا كانت تسيء بالقول الذي هو أشد فتذكر من يسيء ويؤذي الأبناء، ثم هكذا فما من مصيبة إلا وهناك ما هو أعظم منها.
ومن حكمة الله تبارك وتعالى أنه ما من زوج يصبر على أذى زوجته إلا كانت له العاقبة، بعض الأزواج بلوا بزوجاتٍ آذينهم أذية عظيمة فصبروا، فمنهم من رزقه الله هداية زوجته وأصبحت في شجن وحزن وندم لا يعلمه إلا الله، وأصبحت تستحي منه وتخجل منه خجلاً شديداً، ومنهم من يعوضه الله عز وجل بصلاحها وصلاح أبنائها، فالخلف من الله مضمون، وما من إنسان يصبر ويعاشر بالمعروف مع إساءة الزوجة وأذيتها إلا كان له من الله أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
فمن أراد أن يكون من الأخيار فليحسن إلى زوجته ويكرمها.
ولذلك أثر في كثير من قصص العلماء والصالحين أنهم كانوا مبتلين بإساءة زوجاتهم وكانوا على وفاء وتذمم وصبر.
فلذلك -أحبتي في الله! - من أراد أن ينجو من تلك المشاكل التي تقع بسوء المعاشرة؛ فعليه بالصبر والتحمل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً خاصة الزوج؛ لأن الرجل فضله الله على المرأة بالقوة، ولذلك أعطاه من الصبر والتحمل ما لم يعطه للزوجة، فإذا بلي الزوج بزوجة لا تحسن معاشرته فعليه بالصبر والتحمل.