إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله! من هو السعيد الذي امتلأ قلبه بذكر الله؟ من هو السعيد الذي إذا أمسى وأصبح ليس في قلبه غير الله جل جلاله؟ من هو السعيد الذي أسعده الله في نفسه فاطمأن قلبه بذكره ولهج لسانه بالثناء عليه؟ من هو السعيد الذي أقر الله عينه بالطاعات، وأسرَّه بالباقيات الصالحات؟ من هو السعيد الذي أسعده الله في أهله وماله وولده فرأى قرة العين وحمد الله سبحانه وتعالى على القليل والكثير؟ من هو السعيد الذي أسعده الله بين الناس، فعاش طيب الذكر، حسن السمعة، لا يذكر إلا بخير، ولا يعرف عنه إلا الخير؟ من هو السعيد الذي إذا وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا وقف بقلبٍ ثابت ولسانٍ ذاكر، وقد رضي عن الله وأرضاه الله؟ من هو السعيد الذي إذا ذهبت ساعته وحانت قيامته تنزلت عليه ملائكة ربه تبشره بالروح والريحان والرحمة والغفران وأن الله راضٍ عنه غير غضبان؟ من هو السعيد الذي ختم له بخاتمة السعداء فكان آخر ما نطق به من الدنيا: لا إله إلا الله؟ من هو السعيد الذي أسعده الله في قبره، وأقر عينه في لحده، حتى إذا أدخل في ذلك القبر وعوتب في ذلك اللحد وسئل -إن ثبت الله له الجنان واللسان- فقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فنادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، ففرش له من الجنان، وفتح له منها يأتيه من الروح والريحان، فقال السعيد: يا رب! أقم الساعة، يا رب! أقم الساعة، شوقاً إلى رحمة الله وحنيناً إلى عظيم ما ينتظره من فضل الله؟ من هو السعيد الذي إذا بعث من قبره وخرج إلى حشره ونشره خرج مع السعداء، فتتلقاهم الملائكة {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء:١٠٣]؟ من هو السعيد الذي إذا دنت الشمس من الخلائق، وأذل الله فيه كل عزيز، وأخرس ناطق، واشتد لهيبها وعظم حرها وذهب العرق في الأرض سبعين ذراعاً فاشتد الخطب، فإذا به في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله؟ من هو السعيد الذي إذا وقف بين يدي ربه وقف موقف الكريم، فأعلى الله شأنه وأنطق بالخير لسانه، ونادى الله عليه بالبشرى بالجنة؟ من هو السعيد -أيها الأحبة في الله- الذي ينتهي مآله ويكون قراره إلى الجنة دار السعداء ومنزل الأتقياء؟