روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، وعزتك).
فيا سبحان الله! بغمسة واحدة في النار نسي النعيم والسرور، ونسي المرح والحبور، فكيف بمن يكبون على وجوههم مغلولين! النار من تحتهم، والنار من فوقهم عن يمينهم نار، وعن شمالهم نار، فهم غرقى في النار طعامهم نار، وشرابهم نار، ولباسهم نار، ومهادهم نار، تغلي بهم النار كغلي القدور {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}[الحج:١٩ - ٢١].
أما سمعت بأهل النار في النار وعن مُقاساة ما يلقون في النار أما سمعت بأكباد لهم صدعت خوفاً من النار فانزالت على النار أما سمعت بأغلال تناط بهم فيسحبون بها سحباً على النار أما سمعت بأنفاس لهم حبست عن التنفس من حرارة النار أما سمعت بأجساد لهم نضجت من العذاب ومن غلي على النار {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:٥٠].
وهوى في تلك الدركات، رهين السيئات، فلا مال ولا بنون، ولا عشيرة ولا أقربون، فرق بين الأم وولدها، والآباء وأبنائهم، وفرق بين الأصحاب والأحباب، فراق لا لقاء بعده أبداً، نعيم لا جحيم بعده، وجحيم لا نعيم وراءه {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:٧٦].