للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصير أهل السعادة يوم القيامة]

تذكر حالك وحال قلبك يوم تقف بين يدي الله حافياً عارياً مكشوفاً ذليلاً، مذهولاً متحيراً، قد ترادفت عليك الهموم والكروب، وأحاطت بك الأهوال والخطوب.

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

هناك حيث تحمد عيناً سهرت على طاعة الله، وقدماً طالما انتصبت بالوقوف بين يدي الله، فقلت: رباه! أما ليلي فوقوف بين يديك أناجيك بالقرآن، وأما نهاري فصيام لوجهك يا رحمان، وأما يدي فأنت الشهيد وأنت المطلع، فكم سترت بها من عورات، وكم فرجت بها من كربات، ونفقات أنفقتها لهذا اليوم العظيم، فحسن فيك ظني، فلا تخيبني وقد وقفت بين يديك.

{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:١١١ - ١١٢].

وأما جناني فأسكنته حبك وتوحيدك، فعشت -وأنت الشهيد- أوحدك وأنت الحميد المجيد، ما ناديت أحداً سواك، ولا تعلقت بشيء عداك.

ربي! صببت علي البلايا، فعذت بك وحدك ولم أعذ بشيء عداك، وصببت علي الرزايا فصبرت واحتسبت لهذا الموقف بين يديك.

وأما لساني فأنت الشهيد وأنت المطلع، فكم ذكرت به مع الذاكرين، وكم أثنيت عليك به مع المثنيين، وكم تلوت به آياتك، اللهم فعلتها وصغتها لوجهك العظيم اللهم فعلتها ابتغاء رضوانك الكريم.

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].

وأما رجلي فضربت بها الخطى، اللهم خرجت بها في الظلمات فقمت بها مع القائمين، ونصبتها مع الراكعين الساجدين.

وأما يدي فكم رفعتها ضارعة بين يديك.

وأما وجهي فقد عفرته بالسجود بين يديك.

فيا من خشع لك سمعي وبصري! نجني من هول هذا اليوم العظيم.

يا واحداً صمداً بغير قرين ارحم ضراعة عبدك المسكين واعطف علي إذا وقفت مروعاً حيراناً بين يديك يوم الدين ما حيلتي في يوم نشر صحيفتي إذا قيل لي خذها بغير يمين لا حيلة عندي ولا لي موئل إن خانني طمعي وحسن ظنوني يا رب لا تترك عبيدك هالكاً وارحم بفضلك عبرتي وشجوني اللهم مع هذه الحسنات والباقيات الصالحات فالفضل لك جل جلالك، والفضل لك وحدك لا إله غيرك {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل:١١١].

فقيل: من شهودك؟ فشهدت الأرض التي أقلتك، والسماء التي أظلتك.