هناك مشكلة أخرى كثر السؤال عنها ولها وجهان: ألا وهي علاقة الرجل بزوجته وأمه، فكثرت الأسئلة حول هذه العلاقة فأسئلة تقول: إن بعض الأزواج يهملون أمهاتهم لصالح زوجاتهم، أي إنهم يجورون في معاملتهم لأمهاتهم من أجل زوجاتهم، والعكس أيضا، فطائفة أخرى تشتكي بأن بعض الأزواج يهملون زوجاتهم ويخلون بحقوقهن من أجل أمهاتهم، وبعض الأمهات يتدخلن في شئون أبنائهن وزوجاتهم، ويفتحن أبواباً للمشاكل كبيرةً، وطائفة أخرى تقول: إن أمهات الزوجات يتدخلن في إيجاد مشاكل زوجية وأمور خلافية بين الأزواج؟
الجواب
هذا السؤال يدور حول قضية مهمة وهي أن الزوج قد يقع بين خيارين: بين بِر الوالدة وكذلك طاعة الزوجة أو الإحسان إليها في أمر ما!! فيقف بين هاتين القضيتين: الأم ترغب شيئاً ما والزوجة ترغب شيئاً خلافه أو لا ترغب في ذلك الشيء الذي ترغبه الأم، كيف يتصرف المؤمن أمام هذين الخيارين المتناقضين؟ فبعض الأزواج يفضل رأي الأم مطلقاً ويصغي لها حتى إلى درجة أنه يضيِّع بسببها حقوق زوجته، وبعض الأزواج -أيضا- يفضل رأي الزوجة ولو كان على حساب بِر الوالدين.
فهاتان قضيتان هامتان يقف المسلم أمامهما: القضية الأولى بِر الوالدين وهو فرض لازم على المكلف ولازم على الزوج، إذا أمرته أمه أو أمره أبوه في غير معصية من معاصي الله عز وجل وجب عليه أن يطيع، وكذلك الزوجة لها حق حسن العشرة فلذلك أقول: ينبغي للسائل أن يوازن بين رأي الأم ورأي الزوجة فلا تخلو القضية من أمرين: الحالة الأولى: إما أن تكون قضيةً شرعيةً قد فصل الله حكمها من فوق سبع سماوات، فلا خيار للأم ولا للزوجة، بل طبق ما أمرك الله بتطبيقه، إذا وقفت في الخيار وكان الخيار في قضية شرعية واجبة أو نهي عنها، فقدم أمر الله وشرع الله سواءً كان مع الأم أو كان مع الزوجة.
الحالة الثانية: أن يكون في القضايا التي وسع فيها كفضول الأمور، فحينئذٍ بِر الوالدين فرض لازم وقد تعارض بِرٌ واجبٌ مع أمر قد يكون من المستحبات كالإحسان إلى الزوجات، فلو فرضنا أن أماً دعت ابنها في عصر ذات يوم إلى أن يأتيها لقضاء حاجةٍ تحتاجها وقالت المرأة: إنها تريده لأمر ما من الفضول كالخروج في نزهة ونحوه من فضول الأمور، فحينئذٍ لا إشكال في أنه يقدم بِر الوالدة وطاعتها على تلك الزوجة؛ لأن الله تعالى أوجب على الإنسان أن يبر والديه وهذا فرض، وأما الإحسان في العشرة فإذا لم يصل إلى مراتب الفروض والواجبات فحينئذٍ لا إشكال في تقديم غيره عليه كما قرر العلماء ذلك في المسألة المعروفة بازدحام الفروض، يعني: إذا اجتمع فرضان أيهما يقدم؟ فالمقصود أنه إذا كانت هذه الأمور من الأمور الموسعة فيقدم بِر والدته على حق زوجته.
أما إذا كانت من الأمور الواجبة كأن تحتاج المرأة أمراً واجباً عليه كالنفقة والسكنى ونحو ذلك، فحينئذٍ لا إشكال، يبر والدته في غير معصية الله؛ لأنه إذا برها في هذه الحالة التي يضيع فيها حق الزوجة، كان في هذه الحال مطيعاً للأم في معصية الله، فحينئذٍ يقدم حق الزوجة والأبناء والبنات على بره لوالدته.
إذاً إما أن نقول: تكون القضية شرعيةً، فيعمل بوفق الشرع، هذه الحالة الأولى.
والحالة الثانية أن تكون قضيةً موسعاً فيها فحينئذٍ يقدِّم الفروض على المستحبات، وإذا اجتمعت الفروض كان التقديم فيها كما سبق بيانه والله تعالى أعلم.