للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية لمن حفظ القرآن وترك مراجعته]

السؤال

أنا شابٌ قد منّ الله عليّ بحفظ القرآن الكريم إلا القليل منه، ولكنني مقصرٌ جداً في مراجعته وأنا خائفٌ أن أموت وأنا على هذا الحالة، فأرجو منك توجيهي الوجهة الصحيحة؟

الجواب

إذا حفظ الإنسان كلام الله، واستقر في قلبه كلام الله، فينبغي أن يستحي من الله عز وجل أن يؤاخذه بكلامه، ولذلك أكمل الناس عملاً بالقرآن حفاظ كتاب الله، وإذا حفظت كتاب الله فاعلم أن كتاب الله يسألك حقاً عظيماً، لقد كان بعض الأخيار لا يأكل في السوق ولا يقف في المطاعم، وكان يبتعد عن كل شيٍ فيه منقصة يقول: أخشى أن يؤاخذني الله بالقرآن الذي في صدري، فالقرآن عظيم، وصاحب القرآن في الجلال والتكريم، فإذا حفظت القرآن حفظك، وإذا أكرمت القرآن أكرمك، وإذا رفعت القرآن رفعك، ولذلك لا ينبغي للإنسان الذي أورثه الله عز وجل كتابه أن يقصر في تلاوته، فإن من دلائل الإيمان كثرة تلاوة القرآن، قال الله في كتابه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:١٢١].

فأخبر أن من حرم تلاوة القرآن، وحصل له الكفر بكلام الرحمن أنه من أهل الخسارة، فنسأل الله العظيم أن يعافينا وإياكم من ذلك.

أوصيك أخي في الله، وقد أكرمك الله بكلامه أن تجعل للقرآن حظاً من الليل، فتراجع كلام الله عز وجل في قيام الليل، اجعل لك ولو جزءاً واحداً من كتاب الله عز وجل.

اتصلت عليّ امرأة البارحة عمرها أكثر من ستين سنة، من حفاظ كتاب الله عز وجل، من القرابة، تشتكي أنها في قيام الليل لم تعد تطيق الوقوف، وتترخص في تلاوته وهي جالسة، فقلتُ: سبحان الله، أين الشباب الأصحاء الأقوياء الذين هم في عافيةٍ من الله، امرأة في آخر العمر عند المشيب والكبر تتمنى أن الله عز وجل يكرمها بذلك، ومع هذا لما سألتها إذا بها في الركعة الواحدة تقرأ حزباً كاملاً من القرآن!! فأي فضل وأي غنيمة، والله إن الإنسان في بعض الأحيان إذا فكر في حال الصالحين وما كانوا عليه من الخيرات، وجاءك ذكر الموت يحصل في القلب من الشجى والحزن ما الله به عليم؛ لا لشيء، فقط والله نخشى أن تنتهي آجالنا وأن تنقضي أعمارنا وما عبدنا الله حق عبادته، نخشى أن نخرج من الدنيا ولسنا من أهل قيام الليل.

ونخشى أن نخرج من الدنيا ولسنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، ولكن نسأل الله عز وجل بعزته وعظمته ألا يخرجنا من الدنيا إلا وقد جعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهله وخاصته، فأي غبن حينما يأتي الإنسان في عرصات يوم القيامة، فيجد الصالحين قد سبقوه بمراتب ومفائز، فنسأل الله أن يقرب بيننا وبينهم، وأن يرزقنا التأسي بهم.

أوصيك بمراجعة القرآن وبتلاوته في قيام الليل، فإن من أفضل ما يكون في مراجعة القرآن قراءته في قيام الليل أكثر من تلاوته، ابتدأ أول يوم ولو لم تكن حافظاً، اجعل لقيام الليل من القرآن جزءاً، حاول بعد صلاة العشاء ألا تتصل بأحد، واجعل ليلك لله، ويكفيك النهار للناس، فكف أحاديث الناس ومجالسهم، فاجعل هذه الساعة بينك وبين الله، فإن قدرت أن تقوم آخر الليل فذلك أجل وأكمل، وإن لم تقدر فاحرص أن تقوم منتصف الليل، فإن لم تستطع فبمجرد أن تصلي العشاء أقفل باب غرفتك وخذ كتاب ربك، وصل واقرأ، أنا أقول: طالب العلم أقل ما ينبغي أن يقرأ في الليلة على الأقل ثلاثة أجزاء.

الإمام الشافعي رحمه الله كان يختم القرآن كل ثلاث ليالٍ مرة، يعني يقرأ عشرة أجزاء في الليلة الواحدة، فنحن نقول طالب العلم عليه ثلاثة أجزاء، الثلث والثلث كثير، أقل شيء ثلاثة أجزاء، والله ثلاثة أجزاء في اليوم الأول تراهم مثل الجبل، واليوم الثاني نصف الجبل، واليوم الثالث ولا جبل، واليوم الرابع مثل الغذاء الذي لا تستطيع أن تصبر عليه.

ولو كانت على الإنسان أحمال الدنيا وهمومها وهو من أهل قيام الليل وجد أثر قيام الليل في حياته، وجرب وستجد ذلك، لا تقل هذه نصف ساعة، أحياناً نصف ساعة تختم فيها جزءاً، وفي هذا الجزء ملايين الحسنات، والله تتأثر بها في قولك، وتتأثر بها في سمعك، وتتأثر بها في سلوكك، ويورثك الله بها الحب عند عباده على قدر ما تلوت من كتابه، جرب وستجد ذلك، كتاب الله بيننا وبينه فجوات، محبة الخلق على قدر ما بينك وبين كتاب الله عز وجل من المحبة، فاجعل نصف ساعة تختم بها جزءاً كاملاً، إذا قرأته بارتياح، فإذا تلوت ثلاثة أجزاء من كتاب الله جنيت ملايين الحسنات، مع ما فيها من العظات، وقد يعز عند الله لحظة حينما تقوم بين يدي الله وأنت تستطيع أن تنام، تأتي بعد العشاء في عز شبابك وقدرتك، فتقف بين يدي الله بالقرآن ولو تنظر إليه، فتقرأ الجزء ربما أن الله عز وجل يعظم منك هذا الموقف فيورثك خصلة من خصال الصالحين، ولربما أن يشرح صدرك للطاعة فلا ينقبض أبداً، فالله كريم.

وما نال الصالحون درجات الصلاح بعد فضل الله إلا بالعمل الصالح، فأرِ الله عز وجل من نفسك، أرِ الله من نفسك خيراً، والله إذا رآك تقترب منه قليلاً زادك منه قرباً: (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً).

فنسأل الله العظيم أن يحي قلوبنا وقلوبكم بتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.