عندما ينظر الإنسان في سيرة الصحابة ومن بعدهم، يجد أن تأثرهم بالقرآن يختلف، ففي التابعين ومن بعدهم يصعق الواحد منهم ويغمى عليه وغير ذلك من أنواع التأثر، أما في الصحابة فلا يتأثرون مثل هذا النوع من التأثر بل أقل، فكيف نفسر هذا؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
هذا السؤال لا شك أنه من أفضل الأسئلة وأدقها، وهو يعتبر إشكالاً عند العلماء رحمهم الله، ووجه هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمعون القرآن ويذكرون به، ولم يقع لهم ما وقع للتابعين من بعدهم، فنسمع في قصص التابعين أن الرجل كان إذا سمع الآية صعق ومات، كما في الترمذي أن رجلاً تلا قول الله عز وجل:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}[المدثر:٨] فسقط مغشياً عليه ميتاً.
فهذه الحالة هل تدل على أن التابعين أكثر تأثراً من الصحابة؟ والجواب كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الناس تختلف قلوبهم، فقلوب الصحابة رضوان الله عليهم كمل فيها الإيمان، وقوي فيها اليقين، وكانوا إذا تليت عليهم آيات القرآن تأثروا بها، وكان تأثرهم في القلوب، وفي العمل والتطبيق، وأما الأثر الظاهر، وهو دمع العين، ووجل القلب والسقوط مغشياً عليه ونحو ذلك مما وقع للتابعين، فهذا ضعفٌ في الوارد والمحل الذي وردت عليه التلاوة، فكان الصحابة أقوى في الثبات، وأقوى في التأثر بالآيات وكان علمهم بالقرآن عملاً وتطبيقاً، فهذا لا ينقص من قدر الصحابة شيئاً، وهذا هو أنسب الوجوه في الجمع، أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد قوي يقينهم، ولم تكن قلوبهم كقلوب التابعين أرق، وهذا لا ينقص قدر الصحابة كما قلنا والله تعالى أعلم.