كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما كسر الله قلبه بالإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به، حتى قال العلماء رحمهم الله: كان أرحم الناس بالناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة.
عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع -وهي صائمة- ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تبق منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد.
الله أكبر! إذا نزع الله الدنيا من قلب عبده وملأه من آخرته، صارت أشجان الإنسان وأحزانه وهمومه كلها لله سبحانه.
أثر عن الحسن أنه خرج من ماله مرتين لله عز وجل، وخرج عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه للجهاد في سبيل الله فأعد فرسه وفيه ألف دينار نفقته للجهاد، وعليه عدته وزاده، فجاءه رجلٍ يبكي، وقال:[يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سبيل منقطع، قال: دونك الفرس بما عليه].
وجاء رجل إلى عرابة وكان من الأجواد والأخيار ومن أهل البر والإحسان، وكان آية في الإنفاق والجود والكرم إذا ما راية رفعت لمجدٍ تلقاها عرابة باليمين وقد كان عرابة في آخر عمره فقيراً، أصابه العمى فكف بصره رحمه الله برحمته الواسعة، جاءه رجل فقير مدقع، فقال له: يا عرابة! وهو ماضٍ إلى المسجد الحرام يتوكأ على عبدين من عبيده، وكانا آخر ما يملك، فقال: يا عرابة! ابن سبيل منقطع، قال: دونك العبدين، قال: إنما أردت أن أختبرك، قال: إن لم تأخذهما فهما حران لوجه الله، ثم رجع يتلمس البيت ويتلمس الجدار، رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا أئمة ومشاعل خيرٍ وبر، وما زال الخير في الناس.
أثر عن بعض من سلف أنه كان محسناً كريماً لا يسمع بأرملة إلا تفطر قلبه على الإحسان إليها، ولا يسمع بأيتام إلا غشيهم وزارهم وأدخل السرور عليهم.
جاءه خبر أن في طرف المدينة بيتاً فيه أيتام، وهم في شدة الجوع والظمأ والبرد، لا يجدون طعاماً ولا لباساً، فقام رحمه الله وخلع ثياب الشتاء ولبس ثياباً رقيقة لكي يشعر بالبرد كما يشعرون، ونادى وكيله الذي يقوم على المال، وقال له: لقد بلغني أن بموضع كذا وكذا أيتاماً تعولهم أمهم، وهم لا يجدون الطعام ولا يجدون اللباس والكسوة، فاذهب إليهم وخذ شيئاً من مالي فأطعمهم واكسهم.
فكانوا أئمة خير، وكانوا مشاعل طاعةٍ وبر، نسأل الله أن يبلغنا ما بلغوه.