مما ينبغي على الآباء والأمهات من النصيحة والموعظة للأبناء والبنات، التذكير بالحقوق العظيمة وهي حقوق العباد، فبعد أن يذكر الآباء والأمهات الأبناء والبنات بحقوق الله جل وعلا يذكرونهم بحقوق المسلمين والمسلمات.
المسلم له حق عظيم على أخيه المسلم، ما كانت تنشأ البنت في بيت من بيوت المسلمين إلا وقد عرفت ما الذي لها وما الذي عليها تجاه أخواتها المسلمات، وما كان الابن ينشأ في بيت من بيوت المسلمين إلا وقد عرف ما الذي له وما الذي عليه تجاه إخوانه المسلمين.
كانت الأمة تربي أبناءها وبناتها وفلذات أكبادها على تعظيم حقوق المسلمين، كان أبناء المسلمين وبناتهم ينظرون إلى أخوة الإسلام نظرة التقديس والإكرام، حتى إن المسلم ليقدر أخاه في الإسلام أكثر من تقديره لأخيه في النسب، وذلك حين كان الإسلام أكبر همهم، ومبلغ علمهم، وغاية رغبتهم وسؤلهم، فكانوا يعرفون حقوق المسلمين وعظمها، وكان الآباء والأمهات ينشئون الأبناء والبنات على معرفة ورعاية حقوق العباد، ومن أعظمها: حقوق الوالدين، فكان الوالد يأخذ ولده معه إلى زيارة جده، فيجلس ذلك الوالد بين يدي أبيه -الذي هو الجد- على مرأى ومسمعٍ من ابنه، مجلاً مكرماً لأبيه، لا يتكلم بحضور أبيه، ولا يمكن أن يرد لأبيه طلباً، ولا يعيي أباه في المسألة، خادمٌ له في حاجته، قائم له في سعيه، وإذا بالابن ينظر إلى أبيه وقد صار صغيراً، وقد رآه من قبل كبيراً، وذلك لأنه أمام أبيه، فيتعلم كيف يبره في الغد، فانظروا إلى الشمائل العطرة والأخلاق الجميلة الجليلة النضرة التي كانت تتربى عليها بيوت المسلمين، وهكذا الأم كانت تأخذ بناتها الصغار إلى الجدة فتجلس بين يديها بكل إكرام وإجلال وإعظام، لتعلم بناتها كيف البر.
كان الأب يأخذ أبناءه إلى الأعمام والعمات والأخوال والخالات، وآل كل والقرابات، ما كان يوجد بيت من بيوت المسلمين تمر عليه أيام فيها سعة أو إجازة إلا وخرجت جموعهم في السفر للسياحات والنزهات، لا والله.
بل يخرجون لصلة الأعمام والعمات وآل كل والقرابات؛ فكتبت الخطوات، ورفعت الدرجات، وتأذن الله برحمة المؤمنين والمؤمنات، يوم كانت الأمة في فقر وشدة وضعف، ولكن بارك الله لها في أرزاقها وأقواتها وأوقاتها، فقل أن تجد رجلاً مبتلى بمرضٍ في نفسيته أو في عقله أو نفسه؛ بسبب الصلة والرحمة التي رحم الله عز وجل بها الأمة.
كانت الأمة كالجسد الواحد تنشئ أبناءها وبناتها على معرفة الحقوق والواجبات، والقيام بالأمانة والمسئوليات، وكذلك ينشئون الأبناء على تعظيم حقوق أخوة الإسلام، ويبتدئ هذا بالمواقف، فأول ما يبدأ الأب والأم بالجار، فينشأ الابن والبنت على تعظيم حقوق الجيران، فمن أبناء المسلمين من عاش مع أبيه عمراً طويلاً ما سمعه يوماً يسب جاره أو آذى جاره، أو اغتابه أو ذكره بسوء، ومن أبناء المسلمين من عاش مع أبيه دهراً طويلاً، لم يحتج جاره يوماً إلى أحد -بعد الله- غير أبيه، فكان الجار ينزل حاجته بأبيه على مسمع ومرأى من الابن؛ فنشأ الابن على إكرام الجيران، وأصبحت شمائل الإسلام وأخلاق الكرام مغروسة في قلوب المسلمين بالأفعال قبل الأقوال، وذلك يوم كانت معتزة بدينها متمسكة بالإسلام، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا حسن التأسي بهم، وما زال الخير -والحمد لله- موجوداً في الأمة، ولا زالت بقية باقية تشفق على أبنائها وبناتها وفلذات أكبادها، فتسعى لتنشئهم على طاعة الله عز وجل.