للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بقضية القدوة الصالحة]

وقبل أن نخوض في كيفية قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن نركز على أمر ثالث مهم جداً لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر, هذا الأمر هو: القدوة الصالحة.

فالإنسان إذا أراد أن يأمر بما أمر الله به, وأن ينهى عما نهى الله عنه, ينبغي أن يخاف ويخشى أن يمقته الله جل جلاله, وأن يجعله ممن -والعياذ بالله- يأمرون ولا يأتمرون, وينهون فيفعلون ما ينهون عنه -نسأل الله السلامة والعافية- أولئك الذين سمّى الله وحذر عباده منهم، فقال سبحانه وتعالى يعتب على بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤] أليس لديكم عقول تعقلكم وتحبسكم عن هذا الأمر الذي هو ضرب من الغي والهوى والضلال؟ نسأل الله السلامة والعافية.

لا يمكن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يضع الله له القبول في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى يكون قدوة, وهذه القدوة ظاهرة بينك وبين الناس, إذا أحب الناس العبد هابوه, والهيبة بالمحبة لها أثر في السلوك والتقويم والتوجيه.

ولذلك لما بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام كمل أخلاقه وجمل آدابه وانعقدت القلوب على حبه, والشهادة له بالخير والصلاح والقدوة الحسنة, فكان يسمى بالصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.

فإذا أراد الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فينبغي أن تظهر شمائل الإسلام وآدابه وأخلاقه ورحمته وفضله وبره وجميع ما فيه من خير من خلال أقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته, فإذ سمع الناس كلام الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, فإنهم أول ما ينظرون إلى أخلاقه وأفعاله وآدابه, فإن وجد التوافق بين القول والفعل أحبوه وهابوه, ووقع ذلك الكلام موقعاً بليغاً في النفوس, ليست القضية أن نتكلم ولكن القضية أن نكون دعاة ونحن صامتون, قال بعض السلف من الأئمة رحمة الله عليهم وكان من العلماء العاملين، قال لطلابه يوماً من الأيام: ادعوا الناس وأنتم صامتون, قالوا: كيف ندعو ونحن صامتون؟ قال: تأدبوا بآداب الإسلام, وتخلقوا بأخلاقه، وادعوا الناس بأفعالكم قبل أن تدعوهم بأقوالكم.

الرجل الكامل المهذَّب الفاضل، الذي إذا رأيته كأنما ترى أخلاق الإسلام وآدابه إذا سمعته أو تفقدت أحواله كأنك تذكر سنة النبي صلى الله عليه وسلم, تظهر من خلال الأقوال والأفعال والسلوك والتصرفات، وتجده في مجتمعه محبوباً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم محبوباً لا تنفر القلوب منه, ولا تمله ولا تسأمه, ومن رآه أحبه, إذا قابل الناس يقابلهم بالبشر والسرور، قال جرير بن عبد الله: (ما لقيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي) , فالرجل إذا كانت آداب الإسلام في وجهه وأخلاقه وأفعاله أَثَّرَ, قال أنس رضي الله عنه وهو صبي صغير يقوم على شأن النبي صلى الله عليه وسلم: (ولقد خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ما لمست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم, ولا قال لي يوماً قط: أف).

انظروا! هذا بالنسبة لصغار الناس ما قال له قط: أف، وهو أنس وناهيك عن أبي حمزة رضي الله عنه وأرضاه فضلاً ونبلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما بالنسبة لـ جرير فمن كبارهم, وأما بالنسبة لأهله وزوجه تقول عائشة رضي الله عنها: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وضع بين يديه) , ما كان يتكلم ولا يجرح المشاعر من كمال أدبه وأخلاقه وشمائله بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.

الإسلام والدعوة بالأعمال والأخلاق والآداب, الرجل إذا رأى شمائل الإسلام من خلال الأقوال والأفعال تأثر, بعض الناس يدعو ولو لم يتكلم, فالناس فيهم فطرة، وهذه الفطرة جبلوا فيها على حب الخير والقرب منه وتعظيم صاحبه, وعلى كراهية الشر والنفرة منه واحتقار صاحبه -مهما كان- مهما رأيت لأهل الشر من تعظيم فإنه في الظاهر, وأما في القلوب أو عن قناعة فلا, ومهما رأيت من خير فاعلم أن في الباطن تعظيمه وحبه؛ لأنها فطرة الله التي لا تتبدل ولا تتحول ولا تتغير, ولن تجد لها تحويلاً ولا تبديلاً.

فالقلوب تنتظر قبل الكلمة الفعل, فليحرص الإنسان على تطبيق شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه وأخلاقه, فالسنة أصبحت اليوم غريبة بين الناس, حتى أصبحت غريبة بين الأخيار فضلاً عن غيرهم, فالناس إذا رأوا من هذا الداعية الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شمائل الإسلام, أحسوا عندما ينهاهم أنَّ وراء هذه الكلمات ووراء هذا التوجيه قلباً يخاف الله جل جلاله, وأن وراء هذه الكلمات ووراء هذا التوجيه حب الخير, وليس المراد به الشماتة والاحتقار والانتقاص والغفلة عن الذات والنفس, {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:٨٨] فلا يوفق إلا الله سبحانه وتعالى.

إذاً لا بد من أن نقدم بالقدوة الحسنة التي فيها التأثير, ويكون لها عمق الأثر في النفوس.