للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواطن الفاضلة للدعاء في الحج]

السؤال

ما هي الأوقات الفاضلة للدعاء في الحج؟ وهل من جدول مقترح لمن أراد حجاً مبروراً؟ أولاً: احرص بارك الله فيك على أمر هو قاعدة كل خير، وأساس كل بر في العبادات، وهو: التأسي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما من موقف وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرص فيه على الدعاء إلا كنت كذلك حريصاً على الدعاء، وتجتهد -رحمك الله- في التأسي به صلوات الله وسلامه عليه: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨] كتب الله الرحمة والهداية والخير والبر لمن سار على نهجه والتزم بسنته صلوات الله وسلامه عليه.

لا تستحدث من عندك أوقاتاً ولا مناسبات، ولا تستحسن شيئاً على شيء، إنما تكون خطواتك وآثارك وسيرتك وسريرتك على وفق السنة.

قال بعض السلف: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل.

وإن استطعت ألا تفعل أي شيء إلا بسنة فافعله، وكانوا إذا أرادوا أن يثنوا على الرجل قالوا: هو صاحب سنة.

فإذا أردت مواطن الدعاء فاجتهد في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

دعا عليه الصلاة والسلام وهو يطوف بالبيت، ودعا لما رقى على الصفا، وهذه السنة يضيعها كثير إلا من رحم الله، لما رقى على الصفا كبر الله وهلله ووحده سبحانه وتعالى.

الله أكبر! في هذا المقام الذي وقف عليه -عليه الصلاة والسلام- في أول دعوته الجهرية، قال لهم: (قولوا لا إله إلا الله) فقال له أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! عمه وقريبه وأمام الناس يسفهه ويهينه صلوات الله وسلامه عليه وهو الكريم، وإذا به في حجة الوداع يرده الله إلى نفس المكان ويوقفه صلوات الله وسلامه عليه ومعه مائة ألف من أمته وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه، كلهم يفديه بنفسه وروحه خلفاً من الله وعوضاً.

فلما رقى قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله نصر عبده، وأعز جنده، وصدق وعده) فهلله سبحانه وتعالى ثم شرع يدعو، ثم رد ثانية فهلل وكبر ثم دعا، ثم هلل وكبر.

(ثلاث مرات).

هذه السنة يضيعها الكثير كنا إذا حججنا مع بعض مشايخنا رحمة الله عليهم لربما في العمرة يمكث الساعتين إلى ثلاث ساعات، أما الآن فتجد المعتمر يقف في هذا الموقف قد تكون لحظات يسيرة، قد تبلغ الدقائق بل ثواني يريد أن يعجل حتى ينتهي من عمرته، هذا الموطن موطن دعاء، وموطن مكروبة مفجوعة منكوبة فرج الله كربتها ونكبتها، فهذا موطن دعاء فاجتهدوا فيه.

وإذا كان يوم عرفة ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه ذهب إلى الموقف، فإذا صليت مع الإمام فليس بوقت نوم ولا راحة، فاجتهد بذكر الله وتوحيده والثناء عليه، ثم اجتهد في الدعاء والمسألة والإلحاح على الله عز وجل، وكلما دعوته استلذ بالكلمات التي تخرج منك، ادعه بقلب حاضر.

كذلك في المشعر الحرام وقف صلى الله عليه وسلم ودعا وتضرع حتى أسفر، ثم دفع قبل الإسفار؛ مخالفة للمشركين كما ثبت في الحديث الصحيح، ثم لما كان اليوم الثاني -وهو اليوم الحادي عشر- رمى الجمرة الصغرى، ثم أخذ ذات اليسار ورفع يديه ودعا دعاءً طويلاً، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى ورماها، ثم أخذ ذات اليسار، ثم دعا دعاءً طويلاً، ثم مضى ورمى جمرة العقبة ولم يقف عندها، فما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند جمرة العقبة، لا في يوم العيد ولا في أيام التشريق.

فهذه المواطن هي أفضل المواطن، يقول العلماء: من تحرى السنة في أي طاعة وذكر كان له أجران: أجر الدعاء، وأجر التأسي.

فأنت إذا وقفت هذه المواقف تتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتفعل كما فعل؛ تثاب بثوابين: الثواب الأول: ثواب العمل.

والثاني: ثواب الاقتداء واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعل عبادتك أفضل وأكمل؛ ولذلك بعض العلماء يرون -وهو مذهب الجمهور- أن المضاعفة تختص بالحرم، وإن كان الأقوى أن المضاعفة تشمل الحرم كله لأحاديث منها حديث الحديبية، وتسمية الله لمكة كلها بالمسجد الحرام.

الشاهد: أنه على القول الذي يقول إن مضاعفة مائة ألف صلاة تختص بالمسجد نفسه يقولون: في يوم الثامن -الذي هو يوم التروية- صلاة الحاج في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر أفضل من صلاته بمكة؛ لأنه إذا صلاها بمنى نال فضل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهي فضيلة الاتباع، وحينئذ يكون التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه الأجران، ولذلك قال العلماء: ما ورد من القربة اتباعاً أفضل مما لا يكون فيه اتباع كأن يكون مندرجاً تحت أصل عام، إلا إذا بلغ حد البدعة.

فالمقصود: أن تتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتجتهد في السؤال والمسألة والإلحاح على الله، خاصة في المواطن التي ألح فيها صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه لم يختر هذا الموقف للإلحاح إلا وهو يعلم أنه موطن إلحاح، ولذلك كان أعلم الناس بربه، وكذلك أتقاهم وأخشاهم لربه صلوات الله وسلامه عليه.

والله تعالى أعلم.