للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف من الرياء حكمه وأنواعه]

السؤال

إني عند قيامي ببعض الأعمال: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخشى من الرياء والسمعة، فأرجو توضيح ذلك! مع العلم بأني أعاني نفسياً من أن تكون أعمالي فيها سمعة ورياء، وجزاكم الله خيراً.

الجواب

نعم النفس المؤمنة الخائفة التي تتهم نفسها بالتقصير دائماً! قال الحسن البصري رحمه الله: [لا يزال المؤمن الصالح يتهم نفسه].

فقول القائل: هذا العمل ما أردتُ به وجه الله، هذا القول: (ما أردتُ به وجه الله) يعني به أنه يتهم نفسه بالتقصير في الإخلاص.

فإن كان شعورك بالتقصير يحول بينك وبين العمل فهذا من الشيطان، وإن كان شعورك بالتقصير يدفعك إلى المبالغة والصدق في الإخلاص فنِعْم والله الشعور! فهو شأن عباد الله الأخيار؛ ما فعلوا طاعة إلا احتقروها، قال بعض السلف: [المؤمن يحمل الهم في الأعمال الصالحة في مواقف حمل هم الصواب، فإذا وُفِّق للصواب حَمَل هم التوفيق لعمل الصواب] فكم من صوابٍ تعملُه ولا يوفِّقِ الله لفعله، فقيام الليل مَن منا يقوم الليل؟! وصيام الإثنين والخميس من منا يصومهما؟! وصيام يومٍ وإفطار يومٍ من منا يفعله؟! فأولاً: الصواب.

ثم التوفيق لعمل الصواب.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أسألك العزيمة على الرشد) فإذا وُفِّقَ العبد لعمل الصواب، وتهيأ لعمله حَمَل هم الإخلاص فيه، وألا يريد به إلا وجه الله جل جلاله، فإذا وُفِّق للإخلاص وختم عملَه وكان صواباً خالصاً لوجه الله حَمَل هَمَّ القبول من الله جل وعلا، ولا يزال هَمُّ القبول في قلب المؤمن حتى يلقى الله، فتنكشف الحقائق له؛ هل عملُه مقبول فيهنأ، أو غير مقبول فيحزن، فإن العبد يُنْشَر له عمله، فيقول الله جل جلاله: (قد جعلتها هباءً منثوراً) فتُنْشَر له الحسنات والأثقال؛ ولكن ما أراد بها وجه الله.

وجاء في الخبر: (إن العبد تُنْشَر له الحسنات والأعمال الصالحة، فيقول الله له: اذهب فخذ أجرك ممن راءَيْتَ له) اذهب إلى جماعتك الذين كنت تريد منهم الفخر والرياء وتحب أن يمدحوك، اذهب وخذ منهم الأجر اذهب إلى قرابتك إلى الناس إلى مسئولك إلى مديرك إلى والدك إلى والدتك إلى ابنك إلى زوجك إلى كل من راءَيْتَه، فخذ أجرك منه، فإن هذا العمل لم يُرَدْ به وجهُ الله جل جلاله.

فأما إذا كان هذا الحديث يدعوكِ إلى ملازمة الإخلاص فهو حديثُ خير، يَحْمِل على الطاعة والبِر، وهو مَحمود غير مذموم.

أما إذا كان يمنعكِ عن العمل الصالح، وأصبح الإنسان كلما أراد عملاً صالحاً جاءه الشيطان وقال له: أنت لا تخلص فيه؛ فهذا من الشيطان؛ ولكن اجتهدي واعملي العمل، فإن وجدتِ فيه الرياء فقولي: أستغفر الله وأتوب إليه.

فإن الله يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢].

والله تعالى أعلم.