للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية السادسة: الغض عن الإساءة]

الوصية السادسة: من الأمور التي يوصى بها للألفة في الزواج: الغض عن الإساءة: فإن الله عز وجل يتجاوز عن عباده، فقد ثبت في الحديث الصحيح: (أن رجلاً كان يدين الناس المال، وكان يقول لوكلائه: إذا وجدتم معسراً فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عني، فلقي الله عز وجل فقال الله: نحن أحق بالتجاوز منك، تجاوزوا عن عبدي).

فينبغي لك -أيها الإنسان- أن تتجاوز عن أهلك، فإن أحق من تعفو عن زلته، وتغفر خطيئته زوجتك، والمرأة أحق من تغفر له هو زوجها؛ لأن الإنسان بشر، والبشر قد يزل لسانه وقد تزل يده، فإذا كنت حليماً رحيماً ترحم من أخطأ وتعفو عنه لوجه الله، وجب لك الخير، وكم من كربات فرجها الله عن أناس عاملوا الناس باليسر، وعاملوهم بالغض عن الإساءة، ولذلك ورد في الحديث: (أنه ينادي منادِ الله يوم القيامة، في ذلك اليوم العصيب الرهيب: من كان أجره على الله فليأته -أي: من كان له دين على الله في الأجر فليأته- تقول الملائكة: ومن هذا الذي أجره على الله؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب) لأنه عفا عن ذنب لوجه الله، فإذا عفوت عن أقرب الناس إليك، وهم أهلك عفا الله عنك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

والله ما ترى عينك إنساناً يرحم الناس إلا وجدته مرحوماً، وما ترى إنساناً يعفو عن زلات الناس ويتسع صدره لأخطاء الناس، إلا وجدته أكثر الناس انشراحاً، وأكثر الناس طمأنينة، وتجد لطف الله عز وجل به في نفسه وفي أهله، وحيثما توجه يجد من الله لطفاً، إن الله يرحم من عباده الرحماء، ويحب من عباده الرحماء، فإذا جئت في يوم من الأيام على زلة وخطيئة للمرأة تستطيع أن تؤذيها، وتستطيع أن تضيق عليها، وتستطيع أن تربيها، وإذا بك تتذكر قدرتك عليها، ثم تتذكر قدرة الله عليك، وتتذكر أنها كما أخطأت أنك أخطأت في الله أكثر مما أخطأت، وأنك إن رحمتها رحمك الله، فقلت في نفسك: عفوت عنها، وأنت تريد ما عند الله عز وجل، فنعم والله ما صنعت.

وكم من أزواج أفضوا إلى ما يلقونه من قبل بعثهم ونشورهم في القبور، ولا زالت النساء يذكرن تلك القلوب الرحيمة بكل خير.

وأذكر ذات مرة أنه اتصلت إحدى النساء تسأل عن خطأ أخطأته في حق زوجها، فتقول: إني أخطأت في حق زوجي، ولكن تقول: أشهد لله أنني ما رأيت أوسع صدراً منه، رحم الله مجالسته، ما استسمحته إلا سامحني، ولا رأى مني زلة وقلت له: اغفرها لي إلا غفرها لي، وقعدت تبكي ما استطاعت أن تكمل السؤال؛ لأن ذلك الزوج أسر قلبها بالمعروف، وجدته رحيماً حليماً حنوناً.

فلعلك أن تكون مثله، بل لعلك أن تكون خيراً منه، إن الهداية والاستقامة تكسر القلوب لله، والمهتدي دائماً تجده رقيق القلب، تجده حليماً رحيماً، لذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أهل الجنة: (إن من أهل الجنة من يدخل الجنة قلوبهم كأفئدة الطير) من الرقة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

تصور أخي! لو أن الزوجة أخطأت فجئت وأقمت الدنيا وأقعدتها وسببت وشتمت، ما الذي تريده؟ هل هذا يصلح؟ هل هذا يقوم؟ قد تزداد المرأة تعنتاً، وقد تزداد -أيضاً- إصراراً على الخطأ، فيشاء الله في يوم من الأيام أن يتسلط عليها الشيطان بالغفلة فتقع في نفس الخطأ، وقد يحدث طلاق والعياذ بالله.

لأنك تأتي في وقت الغضب، وتقول: ربيتها وضربتها وآذيتها وتفعل هذا؟! معنى هذا أنها تكرهك، فيأتي الشيطان عليك فيستزلك بالكلمة التي تهدم البيت كله والعياذ بالله.

لكنك إذا أخذت الأمور بالسهولة والحلم والرحمة، ووسع قلبك أخطاء الناس، وقلت: كما أن لهم أخطاء فلي أخطاء، فلعل الله أن يغفر لي كما غفرت لعباده، فقد يرجع لك من الله خير.

وإنه لمن المحزن أن تجد الواحد منا من أحلم ما يكون وأرحم ما يكون بالناس؛ لكنه إذا دخل بيته يحاسب عن كل صغيرة وكبيرة، وهذا موجود، فالله الله أن تضيق على أمة من إماء الله، فيضيق الله عليك في الدنيا والآخرة.

وإني أعرف أناساً يحاسبون الناس على كل صغيرة وكبيرة، والله يعاملهم بمثل ما يعاملون الناس، تأتيهم أمور سهلة ويعسرها الله عليهم: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠] {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:٢٦] {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:٣٣].

ذكروا عن أحد الخلفاء أن رجلاً أخطأ في حقه، فجيء بهذا الرجل المخطئ، فقال الخليفة لجلسائه: ما تقولون؟ قالوا: اضرب عنقه، وإذا برجل حكيم جالس في آخر المجلس، قال له: ما تقول يا فلان؟ قال: أما إنك لو قتلته فإن غيرك كثير قد قتل، ولكن إن عفوت فغيرك قليل فاعف رحمك الله، فعفا عنه وغفر.

فلذلك العفو والمغفرة خير وبر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حكمة عظيمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا) هذا الحديث نظرت فيه وإذا به عندما تنظر إلى الواقع تجده من أبلغ ما يكون من الكلام؛ لأنك إذا أتيت تعفو يأتيك الشيطان، ويقول لك: إذا عفوت أهانتك المرأة، وركبت على رأسك، وفعلت بك، وفعلت بك، فأصبح العفو عن الناس سلطان الشيطان على القلوب، فهو يصور أنه ذلة، فكذب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الظن، فقال: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا).

فلذلك عندما يأتيك الشيطان ويقول لك: إذا عفوت ركبت عليك المرأة، كما تقول العامة، تقول: لا.

أنت تقول هذا، ولكن الله يقول على لسان رسوله: إننا نزداد عزاً.

ولذلك انظر عندما تعفو عن خطيئة المرأة، تكسر عينها أمامك، وتحس أنك ملكت قلبها بالمعروف، ولعلك أن تأتي يوماً من الأيام، وأنت ضجيع اللحد والبلى، وتذكر منك هذه الحسنة فتدمع عينها وتذكرك بدعوة صالحة، فإن الله يجزي على الإحسان إحسانا، هذه من الأمور التي ينبغي أن يتواصى بها كلا الزوجين.

كما أن الزوج ينبغي أن يعفو، فكذلك الزوجة لا تتابع زوجها في كل خطأ، وبعض الزوجات يخطئن التصرف في بعض الأمور، فتجدها بمجرد ما تحصل الغلطة تشيعها في كل مكان، وتذهب إلى أبيها وأمها وأخيها وأختها، بل قد تشيعها عند القرابة، وعند الجيران، وعند الأجانب والأغراب عنها، وهذه من الأخطاء الشائعة الذائعة التي ينبغي أن نتقيها، وأن يتقيها إماء الله، وأن يبتعدن عنها.

فينبغي للمرأة أن يتسع صدرها، وأن تحس أن عورة زوجها عورة لها، وأن تغفر هذه الزلة، وأن تعفو عن هذه الخطيئة، ولا تكون حريصة على محاسبة زوجها في كل صغيرة وكبيرة، وكما قلنا للزوج في فضل العفو، نقول كذلك للزوجة.

وكم من نساء صالحات تجدهن يُضطهدن ويُظلمن ويؤذين، والله يعلم ما خرجت منهن كلمة إلى أقرب الناس إليها فضلاً عن أبعد الناس عنها، وأعرف بعض النساء يتصلن عليَّ في بعض المشكلات، وتقول: والله يا شيخ! ما أحد علم بهذه إلا أنت، من صبرها وتحملها، وتمر عليها السنوات وهي صابرة متحملة لوجه الله جل جلاله، فبيض الله وجوههن، وأسأل الله أن يكثر في المجتمع من هذه الأمثال.

المرأة إذا زينها الله بالصبر وسعة الصدر باحتمال أذية زوجها وتقصير زوجها، فإن الله يعوضها خيراً، وكم رفع الله من درجات، وكفَّر من خطيئات لنساء صبرن على البلايا، وما تزال المرأة تؤذى وتؤذى حتى يرفع الله درجتها بهذه الأذية، وتبتلى حتى يرفع الله درجتها بهذا البلاء، ولعل الله في يوم من الأيام أن يعوض صبرها خيراً.

ولذلك قل أن تجد امرأة تصبر على أذية زوجها إلا جعل الله العاقبة لها خيراً، والغالب في الزوج أن ينقم عليها في آخر حياتها، وهذا له نظائر ووجدت له حوادث، فلذلك نوصى المرأة المسلمة بالصبر والتحمل، إن الله هو الذي يعلم بلاءها، وهو الذي يعلم شكواها.

ولذلك لا يفرج همها أحد سواه جل جلاله مقلب القلوب، فلعل زوجها يكون قاسي القلب عليها سنين، وفي طرفة العين يقلب الله عز وجل قلبه حناناً وشفقة عليها، فلا تشتكي إلا إلى الله، ولا تعول في تفريج كربها وهمها وغمها إلا إلى الله، وأيما امرأة آذاها زوجها وأهانها واضطهدها، فلتعلم أن لها نصيراً من الله.