الأمر الرابع: أن نهيئ أنفسنا للدعوة إلى الله, وتهيئة النفوس للدعوة إلى الله عز وجل تدور حول نقطة مهمة من أهم النقاط وهي: الصبر والتحمل, فإنك تقوم برسالة عظيمة وأمانة جليلة جسيمة تحتاج إلى صبر, ولذلك قال الله لنبيه:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}[المزمل:٥].
الإسلام بشمائله وآدابه ومعاملاته وعباداته ثقيل, قال تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}[المزمل:٥] وقال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢] يحتاج الأمر إلى صبر وإلى جلد.
أقوى وأعظم صبر هو صبر النفوس الذي يكون بتمالك النفس عند الغضب, وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) فلا بد من الصبر والتحمل الذي أشار إليه لقمان وهو يوصي ابنه: {أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[لقمان:١٧] أي: اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وراءه التعب والعناء والنصب, يكون التعب نفسياً؛ لأنك تتحمل هم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مثلاً: لو كان في نطاق حيك أو مسئوليتك منكر فإنك ستحمل همين: أولاً: جمع النصوص والأدلة التي اعتنت بمعالجة هذا المنكر, فتتأملها وتنظرها وتبحث فيها، فهذا همٌ يحتاج إلى صبر على العلم والبصيرة التي تأمر بها وتنهى.
ثانياً: تحمل هم المواجهة: كيف تواجه؟ كيف تتكلم؟ كيف تقف في وجه الإنسان؟ ولذلك سأل موسى عليه السلام ربه أن يثبت قلبه لهمّ المواجهة، ولذلك قال:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}[طه:٢٥] فلا نستطيع أن نفعل شيئاً إلا بالله جل جلاله، قال:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}[طه:٢٥ - ٢٨] , فإذاً لا بد للإنسان أن يتحمل هذا الهم.
بعد ذلك تأتي النتائج والآثار للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيأتيك السفيه بسفهه, والإنسان الغوي بغيه وفجوره, ويأتيك الناس على اختلاف طبقاتهم, وعلى اختلاف منازلهم في مجابهة الخير وكراهيته، والتنفير منه وسوء الظن بأهله, وهذا يحتاج إلى صبر, ونفس قوية وشكيمة وعزيمة.