ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها: عن عمره فيما أفناه)؟
الجواب
هذا الحديث يعتبر جزءاً من حديث يدل على مشهد من مشاهد الآخرة، وهو مشهد السؤال، فالناس على قسمين: مؤمن وكافر، أما الكافر فبمجرد موقفه في عرصات يوم القيامة يختطف والعياذ بالله إلى النار، وأما المؤمن: فهو يمر في بلاء وضيق في عرصات يوم القيامة على قدر صلاحه وطلاحه، فإن كانت عنده ذنوب كبيرة، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حاسبه الله عز وجل بتلك الذنوب، ومن الحساب موقف السؤال، فالمؤمنون الذين هم القسم الثاني أيضاً على ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: طائفة لا تسأل عن شيء ومباشرة يأمر الله بدخولها إلى الجنة، وهم السبعون الألف الذين هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يأذن الله بدخولهم إلى الجنة دون سبق حساب ولا سؤال ولا عذاب، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
وأما الطائفة الثانية: فطائفة عظمت حسناتها والله أحبها مع وجود الأخطاء، فيسترها الله عز وجل في عرصات يوم القيامة، كما في حديث ابن عمر:(أن الله يدني العبد فيقول: يا عبدي فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ يقول: بلى يا رب، ويقول: فعلت كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا رب! فيقول: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أسترها عليك اليوم).
وأما القسم الثالث فهو قسم يفضحه الله عز وجل، فهذا المشهد من مشاهد السؤال:(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) ومنها ما ورد في السؤال: (عن شبابه، وفي رواية: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه)، العمر الذي هو لحظات الحياة قلَّت أو كثرت، يسأل الإنسان فتعرض عليه أيام الدنيا يوماً يوماً، تعرض عليك في عرصات يوم القيامة يوماً يوماً، وكل يوم يعرض عليك ساعة ساعة، وكل ساعة تعرض عليك بالثواني، تسأل عنها ثانية ثانية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(من نوقش الحساب عذب)، يعني: إذا كان الحساب عن العمر دقيقاً فاعلم أنه الهلاك، ما يشك أحد أبداً أن الله لو دقق عليه الحساب هلك؛ لأن نعم الله عظيمة والإساءة موجودة ولو كان الإنسان فيه صلاحاً وخيراً.
فيعرض عليه هذا الشباب، وتعرض عليه الصحة، وتعرض عليه اللحظة، والثانية الفلانية من الساعة الفلانية، من يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من عام كذا وكذا، فيقال: في اللحظة الفلانية فعلت كذا وكذا، وجلست مع أصحابك فقالوا: كذا، فقلت: كذا وكذا، وإذا بالكلام تذكره كاملاً ما تخرم منه حرفاً واحداً، فيعرض على الإنسان وما ينسى مثقال خردلة، فتوضع موازين القسط ليوم القيامة، يقول الله تبارك وتعالى:{وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧]، عرصات يوم القيامة مشهد عظيم شيبت رءوس الصالحين وأقضت مضاجعهم:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:١٧]، ولذلك العبّاد الصالحون عندما يتذكرون مثل هذه المواقف ما يتحمل أحدهم، فيكثرون من الأعمال الصالحة لعل الله عز وجل أن ينجيهم من كربات ذلك اليوم، فيتعبون الآن ولكن لراحة الغد.
فالمقصود أن الله يعرض عليك هذه اللحظات، ويعرض عليك هذه الساعات، ومن الناس من يعرض الله عز وجل عليه حسناته، فيقول له: عبدي في يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا، فيقول: بفضلك يا رب! فيقول: عبدي في يوم كذا وكذا جلست مع الصالحين في ساعة كذا، فيقول: بفضلك يا رب! فيقول: في يوم كذا وكذا زرت أخاك في الله، في يوم كذا وكذا وصلت الرحم، في يوم كذا وكذا تصدقت على مسكين، أعنت أرملة، فعلت كذا فيقول: بفضلك يا رب! بفضلك يا رب! فيقول له: ادخل الجنة، يعرض الله عز وجل عن إساءتك، والله فعال لما يريد يحكم ولا معقب لحكمه، من يستطيع يوم القيامة على رءوس الأولين والآخرين أن يقول: يا رب لا تدخل فلاناً الجنة؟! ما أحد يستطيع أبداً، إن رحمك الله فلا معذب، وإن عذبك فلا راحم، من يستطيع أن يتكلم؟! تأمل ملائكة الله الملك الواحد منهم لو بسط جناحه لسد الأفق، مع ذلك يسكت ولا يستطيع أن يتكلم ذلاً لله عز وجل، مع ما أعطاهم الله عز وجل من البسطة في الجسم، فيخنس أمام عظمة الله عز وجل، ويذل أمام قهر الله عز وجل في ذلك اليوم العظيم، مع أن الملائكة لم تذنب لكن من عظمة الله عز وجل وهيبة السؤال سكتت، هذا من عرصات وأهوال يوم القيامة، تسأل عن كل الأفعال، وعن جميع الأقوال، تعرض على الإنسان كاملة لا ينسى منها مثقال خردلة، نسأل الله أن ينجينا وإياكم من ذلك الموقف، وأن يجعل حسابنا وحسابكم يسيراً وألا يجعله عسيراً، والله تعالى أعلم.