أولها وأعظمها: إخلاص العمل لله جل جلاله، العلم لله، ويُراد به ما عند الله، ولا يزال العبد بخيرٍ إذا قال: قال لله، وإذا عمل: عمل لله، اصطفى الله العلم للآخرة، واصطفى أهله للآخرة، فهم معنا في الدنيا بأجسادهم، وهم في الآخرة فيما هم فيه من علومها النافعة، وأجورها الباقية.
إنه العلم الذي لا يمكن أن يجد أحدٌ حلاوته إلا بالإخلاص:(ومن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) أهل العلم أغنى الناس بالله، وطالب العلم والعالم الذي ملأ الله قلبه بالآخرة تنصرف همته لله خالصة، أما طالب العلم الذي يريد وجه الله، مباركٌ له في علمه، وفيما يقوله ويسمعه ويكتبه، ومباركٌ له في كل خطوةٍ يخطوها، وفي كل كلمة يسمعها ويكتبها ويفهمها ويلقنها العباد، فالإخلاص مدار الأعمال كلها عليه، وما بقيت كتب السلف رحمهم الله، وكأنها كتبت بالأمس القريب إلا بالله جل جلاله ثم بإخلاصهم، نظر الله إلى قلوبهم فوجد فيها الإخلاص لوجهه وإرادة ما عنده سبحانه وتعالى، فبارك فيما قالوا وما عملوا وما علموا رحمهم الله برحمته الواسعة.
أيها الأحبة! من أخلص لله جل جلاله جعل الله القناعة أمام عينيه، فاغتنى بالله، وافتقر إلى الله، وذاق حلاوة المعاملة مع الله، ولا يستطيع العالم ولا طالب العلم أن يُصلح الناس حتى يصلح ما بينه وبين الله بالإخلاص، ومن أصلح ما بينه وبين الله فنظر الله إلى قلبه أنه يريد وجهه، وأراد ما عنده، فتح الله عليه أبواب الرحمة، وإذا فتحت أبواب الرحمة فلا يغلقها.
إذا أخلص العبد لله سبحانه سهل الله له طريق العلم، فجعله محبوباً عند العالم الذي يعلمه، موضوعاً له بالقبول حيثما كان وحيثما تكلم وحيثما سمع، ووضع الله له البركة في جميع ما يكون من أمره.
الله أكبر إذا أخلص طالب العلم فخرج من بيته وليس في قلبه إلا الله، فكتب الله له الخطوات والحركات والنفس وما يكون من جميع حاله وشأنه.
الله أكبر إذا خرج العالم من بيته، والداعية إلى الله والخطيب إلى مسجده، والواعظ إلى إخوانه وخلانه، يريد أن يعلمهم لله وفي الله وابتغاء ما عند الله جل جلاله، يتمنى من إخلاصه أن هذا العلم بينه وبين الله لا يطلع عليه أحدٌ سواه.