للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الواجب على طالب العلم تجاه المعلم]

السؤال

ما هو الواجب على طالب العلم تجاه المعلم؟

الجواب

العلماء لهم حقٌ كبير على الناس، وبين الله تعالى علو شأنهم فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩]، وأخبر أنه يرفعهم درجات عنده سبحانه وتعالى، فالعلماء لا يستوون مع عامة الناس، وفي تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩]-جعلنا الله وإياكم منهم- فابتدأ بالأنبياء، ثم قال: "والصديقين" قال العلماء: الصديقون هم العلماء العاملون، فالعالم العامل له حق كبير على الناس.

من حق العالم على طالب العلم إذا كان في مجلس العلم أن يصغي إليه، كما أخبر الله عن الجن: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:٢٩]، وقال الله لنبيه موسى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:١٢ - ١٣].

فالواجب الإنصات إليه إذا حدث، وعدم مقاطعته، وعدم الاستهانة برأيه، والاستخفاف بعلمه، فإن العلم شعيرة من شعائر الله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢].

فالذي يتقي الله يعظم العلماء في الحدود الشرعية، ولا يغلو بهم ولا يتنطع، ولكن أيضاً لا يجحف، فنحن بين الإفراط والتفريط، لا نغلو ولا أيضاً نجحف بعلمائنا بل نحترمهم ونقدرهم إذا تكلموا وبينوا.

الأمر الثاني: العمل بما يدعون إليه، ونشر فتاويهم وعلومهم بين الناس؛ لأن الله ينفع بها ويكون لك مثل أجره، فمن حبك للعالم أن تنشر خيره، فتقول: جلسنا معه فذكر كذا، ونصح بكذا، ووعظ بكذا، فتكون شبيهاً بالعلماء وإن لم يكن عند الإنسان علم فلينشر هذا الخير.

الأمر الثالث: ذكرهم بالجميل، أن يذكر العلماء بالخير؛ لأن انتقاص العلماء عند العامة ثلمة في الدين، فإن العامة إذا احتقر العلماء عندهم ضاع الدين، من يسألون؟ وإلى من يرجعون؟ فينبغي ذكرهم بالجميل وإجلالهم، ولا ينادونهم بأسمائهم وإنما ينادونهم بما شرفهم الله به وكرمهم، ولذلك قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩].

الذي ينادي العالم باسمه أو يجعل العالم في مرتبة واحدة مع العامة جاهل، فإن الله يبين أنهم لا يستوون، فينبغي إجلالهم، فيقول: قال العلماء يقولون بإجلال العلم ذكره الشيخ والإمام، ويقال: عفا الله عنك وأحسن الله إليك.

فيجلون ويقدرون في الحدود الشرعية.

كذلك من حق العالم إذا كان ميتاً أن يترحم عليه الإنسان، كعلماء الأمة وسلف الأمة الصالح، ويذكرون بالجميل، ويترحم عليهم، فإن الإنسان إذا ذُكر عظام المسلمين من العلماء والأخيار والصالحين وذكرهم بدعوة صالحة قيض الله له من يدعو له، ويترحم عليه، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

ولذلك كان من منهج السلف الصالح ذكر علماء الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، كما يقول الإمام الطحاوي في عقيدته: أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، من الصحابة التابعين، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، فينبغي ذكرهم بالجميل.

كذلك أيضاً من حقوقهم: أن الإنسان يحرص كل الحرص على التأدب معهم في المناقشة والسؤال والاستفتاء، لا يرهقهم ولا يحملهم ما لا يطيقون، ولذلك أمر الله أصحاب نبيه أن يتأدبوا معه حتى في مجالسهم الخاصة، وأن لا يطيلوا الجلوس عنده؛ لأنه ربما كان مشغولاً بما هو أهم وأعظم، فالعالم يحتاج إلى حفظ وقته، وهكذا إمام المسجد والخطيب ونحوهم ممن يوجه الناس، قد تكون عندهم أمور خاصة يحتاج إلى تفرغ لها، ويحتاجون أن يتزودوا، فإذا أصبح الناس لا يبالون بأوقات العلماء، ويرهقونهم بكثرة الزيارات التي لا يصحبها استفادة، فهذا أمر فيه ضرر عليهم، بل هو من إساءة الأدب.

ولذلك من الأمور التي شاعت بين الكثير إلا من رحم الله كثرة زيارة العلماء والجلوس معهم دون استفادة.

فتجدهم يسألون عن حاله، وعن شأنه، ويسألونه عن أموره الخاصة، وشئونه الخاصة، دون أن يسألوا عن علمٍ نافع، حتى مل العلماء من مجالس الناس وأصبحوا يقولون: نجلس ويضيع الوقت في أمور دنيوية.

وقد يجلسون بالساعات، فإذا أراد العالم أن يقوم، قال أحدهم: عندي سؤال، وقال هذا: عندي مشكلة، مع أن العالم يجلس بالساعات، ولا يجد من يسأله.

فينبغي أن نشفق عليهم، وأن نختار الأوقات المناسبة لزيارتهم، وكذلك أيضاً إذا رأينا عليهم العناء والتعب نشفق عليهم، فهذا أيضاً من احترام العلماء ومن الأدب معهم.

كذلك أيضاً من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يراعيها في أدبه مع العلماء، أن يشعرهم بالإجلال والتقدير، وبالسلام عليهم وتفقد أحوالهم، فإن كانوا مرضى نزورهم ونعودهم ونقضي حوائجهم؛ لأنهم مشغولون بمصالح المسلمين، ومن قضى حوائجهم وسعى في إسداء الخير إليهم أعانهم على ما هم فيه من الخير.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ذلك الرجل، وأن يوفقنا إلى حب علمائنا والنصح لهم، وذكرهم بالجميل والإحسان إليهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.