[وقوف العبد بين يدي الله]
إنها المسئولية العظيمة المسئولية الجليلة الخطيرة، إنها مسئولية الآخرة، كل هذه الجموع، وكل هذه الأمم أقيمت في ذلك المشهد العظيم، وذلك اليوم العظيم؛ لكي تنهال عليها الأسئلة، وتعد لها درجاتها ودركاتها بحسب ما تجيب.
إنه اليوم الذي جمع الله فيه الأولين والآخرين من أجل السؤال، هناك حيث تغص الحناجر بغصصها، هناك {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧].
وأبى الله إلا أن تشخص إلى السماء بعينيك، تنتظر فصل القضاء، تنتظر حكم رب الأرض والسماء، أفي الجنة أم في النار يكون القرار!! وشخصت الأبصار بين يدي الواحد القهار.
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:٩٣ - ٩٥].
ليت شعري إذا أتيت فردا والموازين قد نصبت حيالي والدواوين قد نشرت وجئنا والنبيون يشهدون سؤالي ما اعتذاري وما أقول لربي في سؤالي وما يكون مقالي هناك حيث تقف بين يدي الله، والشهود حاضرة، والعيون إلى الله ناظرة هناك حيث يوقف العبد بين يدي الله جل جلاله، فينادي منادي الله: يا فلان ابن فلانة! قم للعرض على الله.
فلا ينادى أحد بأبيه؛ لكي تزول الأحساب والأنساب؛ ويذل العباد بين يدي الله رب الأرباب.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:١٠٨ - ١٠٩].
فدعيت أمام الأولين والآخرين، فارتعدت فرائصك من خشية الله، واصطكت القدمان بين يدي الله، وجئت من دارك إلى لقاء الله، وسألك الله عن الأيام التي مضت، وعن السنين والأعوام التي انقضت، سألك عن الشباب وما كان فيه من اللهو مع الأصحاب والأحباب فنشرت بين يديك الأوقات لا تفوت منها لحظة واحدة، فإما لك وإما عليك.
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩].
وعرض عليك الشباب بأيامه وما فيه من الشهوات والملهيات، وكشفت الأستار وتبدت للأنظار، هناك حيث تشهد عليك الليالي بما اجترحت فيها.
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٣٠].