أما السبب الثاني وهو أجلها وأعظمها: تغذية القلوب بالإيمان بالله؛ لأنه ما من قلب يقوى اعتقاده في الله جل وعلا إلا ثبت ولم تزل قدمه أبداً؛ ولذلك قال بعض السلف:"ما عرف سوء الخاتمة لإنسان مستقيم في عقيدته" فإذا تغذت القلوب بالإيمان بالله، وتعرفت على الله جل وعلا حق المعرفة -عن طريق ذلك الكتاب المبين وتلك السنة العطرة النضرة- أوجب ذلك لها الثبات على طاعة الله جل وعلا.
تعرفوا على الله، فإن القلوب التي تعرف الله لا تجحده، ولا تُعرض عن الله أبداً، ولذلك إذا نزل الإيمان إلى جذور القلوب اهتدت إلى علام الغيوب: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:١١].
من ازداد في إيمانه، وزاده الصباح والمساء معرفة بمن يقلب الليل والنهار، وبمن له العشي والإبكار؛ دعاه ذلك للثبات على الهداية، وأن يكون الله أحب إليه من كل حبيب، وأرجى لقلبه من كل مرجو.
إخواني! لا يمكن أن يثبت القدم إلا إذا عظم الإيمان بالله تبارك وتعالى، وهذا الكون محراب التفكر والتأمل والنظر، فقد جعل الله عز وجل فيه الدلائل الناطقة بوحدانيته، والشاهدة بعظمته وألوهيته، فإنك إن نظرت أمامك وجدت دلائل عظمته، وإن نظرت وراءك وجدت دلائل قدرته، وإن نظرت عن يمينك ويسارك ومن فوقك وتحتك -بل لو نظرت في نفسك- لوجدت دلائل عظمته وشواهد رحمته، فإذا تغذى القلب بالإيمان بالله عز وجل فإنه سيرسخ في البقاء على طاعة سيده ومولاه.