كذلك أيضاً من الأمور التي تعين على ترك هذه الأخطاء وهذه الزلات التي لا منجى ولا ملجأ فيها من الله إلا إلى الله: كون الإنسان كثير الخير بمعنى: ألا تسأم من طاعة، إن كثيراً من الشباب قد تجده في بداية الأمر حريصاً على الصلوات، حريصاً على الطاعات، حريصاً على الخيرات، ثم يخف قليلاً قليلاً حتى -والعياذ بالله- ينتكس، والسبب في هذا السآمة من الطاعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله لا يمل حتى تملوا) فالإنسان إذا ملَّ الطاعة -نسأل الله السلامة والعافية- حُرم الخير، بعض الإخوان أصلحهم الله تجده في بداية الهداية لو قيل له: هناك محاضرة فلا يمكن أن تفوته، أي مجلس خير لا يمكن أن يفوته، فما أن يمضي الشهر والشهران عليه؛ فيعتاد العلماء ويعتاد مجالسهم، لو قيل له يوماً من الأيام: تعال إلى محاضرة تتحدث عن رمضان، يقول: يا أخي هذا موضوع واضح، لا ينظر إلى أن خطواته في سبيل الله، ولا ينظر أنه يحضر مجلساً من مجالس الخير والرحمات، لولا الله ثم هذه المجالس لما نال كثير من الشباب هذه الروحانية واللذة التي يجدها مع ما فيها من علم وميراث نبوة وتوجيه وإرشاد؛ لا تسأم ولو قيل لك محاضرة عن الصبر، ولو قيل لك محاضرة من أوضح الواضحات فاذهب إليها واشتر رحمة الله بخطوة تمشيها، وبمزاحمة الناس على الخير أن يُقسم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ولا تشهده!! أتقسم الدرجات والحسنات ولا تكون في ذلك المكان الطيب المبارك؟! وما يدريك لعل هذا الشيخ غير المشهور الذي يحضر له الصف والصفان مقبول عند الله جل وعلا، ما يدريك فليست العبرة بالكثرة، ولا بالمشهورين، ولا بالسمعة، ولكن العبرة بالقلوب (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
كثير من الشباب الآن بدأ يألف الخير لقلة حضور المحاضرات، لقلة غشيان حلق الذكر، لقلة غشيان مجالس العلماء، أي شاب تجده يجد في نفسه الضيق بعد السعة، فاسأله قل له: أناشدك الله أما كنت تحضر المحاضرات وتقاعست عنها؟ قال لك: نعم، أما كنت تحضر حِلق العلم وتقاعست عنها؟ قال لك: نعم، إذن:{لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:١١] إن الله يحب من العبد الجد والاجتهاد في طاعته: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨] فالله ندبنا إلى استباق الخيرات، والسلف الصالح رحمة الله عليهم كانوا يجلسون في مجالس من هو دونهم في العلم والفضل، حتى أذكر من علمائنا ومشايخنا سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز -رحمه الله- كان عندنا في المدينة بمرأى من عيني وأشهد له بذلك يصلي في الصفوف الأول في الحرم النبوي، ثم يرجع خارجاً من المسجد يكون مثلاً ما عنده درس، قلَّ أن توجد حلقة عالم إلا جلس فيها ما شاء الله، وقد يكون ذلك العالم من طلابه، هل قال: أنا الشيخ عبد العزيز أو اغتر؟ الإنسان الذي يغتر بنفسه يهلك، نقصان الطاعة الموجود في الشباب من أسبابه -والعلم عند الله- الاغترار، الإنسان دائماً يسعى إلى الكمال، يحرص على طاعة الله، لا تسمع بحلقة عالم إلا حضرتها، ولا حلقة ذكر إلا جلستها، ولا مجلس علم إلا شهدته، هل ترضى أن تفتح حلقة علم في مسجد الحي، أو في مدينتك وتُرفع أسماء من حضرها في دواوين الصالحات إلى الله، تصعد الأعمال الصالحة وليس فيها اسمك؟ أترضى لنفسك بهذا؟ ولذلك الذي يحتقر العلم ويحتقر العلماء، سيصيبه السفال، والذي يعظمهم يعظم من الله ويجل ويكرم:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:٣٢] هذه آفات حصلت بأسباب، تغير القلوب، حصول نقص من الإيمان عند كثير من الشباب من أسباب هذه الأمور.