على الداعية إلى الله أن يعلم علم اليقين أن أول ما يجب عليه، أن يخلص لله جل جلاله، ما كان لله دام واتصل، وما من داعية إلى الله يخلص في قلبه إلا أظهر الله له التوفيق والسداد في جوارحه وأعماله، وفتح الله أبواب الخير أمام دعوته وكلماته ومواعظه؛ لأن الله سبحانه يحب ما كان خالصاً لوجهه، ولا يرضى من الأقوال والأعمال إلا ما أريد به وجهه.
من كان لله كان الله له، ومن وطئت قدماه سبيل الدعوة إلى الله، مفرغ القلب من كل شيءٍ سواه، ملأ الله قلبه بالحكمة والنور والتوفيق والسداد، وجعل الله البركة والخير في قوله وعمله.
فقبل كل شيء: أن يخلص الإنسان، فإذا تكلم سأل نفسه: لمن يتكلم؟ وإذا خطب أو وعظ أو ذكّر: هل هذا الكلام لله، أو لأحدٍ سواه؟ فالوقفة الأولى: أن يخلص الداعية في عمله لله: إن الله سبحانه مطلعٌ على القلوب والضمائر، مطلع على من يريد وجهه ومن يريد حظوظ الدنيا، ومن أراد الإخلاص لله، فليعلم أن التجارة مع الله رابحة، وأنه إذا سلك سبيل الإخلاص، فلم يتكلم بكلمة إلا خطها الملك الأمين الحافظ؛ لكي يراها العبد أمام عينيه يوم القيامة حجةٌ له لا عليه.
من أراد أن يدعو إلى الله، فليعلم أن هذا الدين لله وليس لأحدٍ سواه، لا يدعو للدنيا ولا يدعو رياءً، لا يدعو ليمدح أو يثنى عليه، ولكن لله جل جلاله، فلا يقف أمام الناس إلا وقلبه معمورٌ بالله، فطوبى لقلوبٍ آمنت وأسلمت وأخلصت، فنظر الله إليها -يوم تكلمت ووعظت وقالت- أنها تريد وجهه، وتريد أجره ورضوانه ورحمته، وما ضرتنا إلا حظوظ من الدنيا ساقتنا عن سبيل الله إلى سبيل من سواه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:٨٦].
الداعية الموفق نظر إلى ما عند الله، فعلم أنه باقٍ وما عند سواه فانٍ زائل {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل:٩٦].