إنها لمناسبة طيبة أن نجتمع في هذا المجلس المبارك على ذكر الله عز وجل وطاعته، خير ما اجتمعت عليه القلوب والتفت عليه الأرواح، فإن القلوب تصدأ وجلاء صداها بذكر الله عز وجل، والقلوب في قلق وحيرة لا طمأنينة لها إلا بذكر الله جل جلاله، وصدق الله تعالى إذ يقول:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨] إذا لم يكن في ذكر الله جل جلاله إلا أن الله يذكر من ذكره لكفى بذلك شرفاً وفضلاً للذاكرين.
إن الله خلق العباد:{فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:٢٦] منهم مهتدٍ ملتزم بطاعة الله جل جلاله أحب الله وأحبه الله، لا يبتغي عن سبيله تحويلاً ولا عن هدي رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً يدرك أن هذا الوحي أصدق قيلاً وأحسن تأويلاً التزم بدين الله جل جلاله يوم رأى السعادة والنور والرحمة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، حينما وجد شيئاً طالما فقده، ووجد أمنية طالما تمناها، حينما أحس أنه أحوج من يكون إلى القرب إلى الله جل جلاله، فنفحه الله برحمته فدخلت الهداية من قلبه، فإذا أراد الله أن يبارك له في هذه الهداية رزقه ذكره سبحانه وتعالى؛ فأصبح قلبه متعلقاً بالله جل جلاله ينسى مع الله كل شيء، ويقبل على الله جل جلاله إقبال الصادقين، ويحب الله محبة المؤمنين الموقنين يعبد الله كأنه يسمعه ويراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وهي مرتبة المحسنين التي نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها أجمعين، قال جبريل عليه السلام:(يا محمد! ما الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فإذا كملت هداية الإنسان بلغ مراتب الإحسان.
أصبحت أشجانه -أي: الملتزم- وأحزانه كلها لله جل جلاله، ولا يرتاح قلبه ولا تطمئن نفسه إلا بالكلمة التي تقربه إلى الله أو الخصلة -من خصال الخير- التي تدني به إلى جنة الله جل جلاله، يشتري رحمة الله حتى بالابتسامة يبتسمها في وجه أخيه، يشتري رحمة الله حتى بالكلمة الطيبة يريد بها ما عند الله سبحانه وتعالى، لا نفاقاً ولا رياءً ولا تصنعاً ولا تكلفاً؛ لكي يجذب بها قلوب الناس، ولكنه يريد ما عند الله جل جلاله من واسع رحمته وما يدريك فلعل هذه الحسنة التي تحرص عليها ينقذك الله بها من النار، فإن العبد قد تستوي حسناته وسيئاته فيستوي خيره وشره؛ فقد تكون عنده حسنات كأمثال الجبال تذهب بمظالم الناس فتستوي حسناته وسيئاته حتى يكاد يؤمر به إلى النار فتأتي حسنة واحدة ترجح بها ميزان الحسنات فينجو من نار الله جل جلاله.