[الأمور التي تعين على حفظ الوقت]
السؤال
كيف يحفظ الإنسان وقته إذا كان من طلاب العلم؟
الجواب
على العموم حفظ الوقت لا يكون إلا إذا هيأ الإنسان نفسه لحفظ هذا الوقت، وإذا أراد الإنسان أن يحفظ وقته فليستكثر من الطاعة، فإن الإنسان إذا كثرت طاعته بارك الله له في عمره.
يقولون: إن حفظ الوقت من البركة التي يجعلها الله في العمر، ولذلك من أكثر الناس بركة في أوقاتهم هم العلماء والأخيار، والذين هم على استقامة على دين الله عز وجل يبارك الله في أوقاتهم، ولذلك تجد العالم يعيش مدة وجيزة ولكن يحيي الله عز وجل به أمماً.
كذلك من الأمور التي تعين على حفظ الوقت من الأعمال الصالحة: صلة الرحم وبر الوالدين: (من أحب منكم أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه، فليصل رحمه).
صلة الرحم تضع البركة في العمر، ويبارك الله بها في الوقت، وطالب العلم الذي يقصر في صلة الأعمام والعمات والأخوال والخالات ونحوه من القرابات يحرمه الله عز وجل بسبب هذا الذنب.
قال سفيان الثوري: أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل ستة أشهر، فقد يقصر الإنسان في صلة رحمه أو بر والديه فينزع الله عز وجل الخير من وقته.
من الأمور التي تعين على حفظ الوقت: كثرة ذكر الآخرة وتذكر الإنسان أنه ستمر عليه مثل هذه اللحظة، ومثل هذه الساعة وهو رهين الأجداث والبلى، قد أقبل على الله جل وعلا، بما كان منه من خيرٍ أو من شر، فإن هذا يهون عليه هذه الدنيا، ويجعل عمره في نظره قصيراً، وإذا أحس الإنسان أن عمره قصير استنفذه فيما فيه الخير، واستنفذه فيما فيه الطاعة أو البر.
فإذا حرص الإنسان على كثرة ذكر الآخرة بارك الله له في وقته، وأعانه على تنظيمه.
ولا أستطيع أن أضع منهجاً معيناً لحفظ وقت طالب العلم؛ لأن الأمور تختلف، فلو قلت لك مثلاً: قم من الصباح الباكر من بعد صلاة الفجر وافعل كذا وكذا، ربما كانت أوقاتك لا تتهيأ في مثل هذا الوقت، ولو قلت احفظ آخر النهار وأدمن السهر، ربما كانت أحوالك لا تعين على ذلك.
فوضع منهج معين من الصعوبة بمكان، وأنا ألاحظ أنه من الخطأ أن نضع للناس منهجاً معيناً، إنما نضع لهم القواعد تأسياً بالكتاب والسنة، ونقول له: احرص على ما ينفعك، واحرص على ضبط وقتك والله يعينك.
فإذا تهيأت أسباب حفظ الوقت فإن الله يعين.
لكن ننبه على أمور مهمة تضيع الوقت، منها ومن أعظمها: قرناء السوء، وقد يكون الإنسان ولو كان قريناً صالحاً فإنه قد يكون ليس عنده عقل، وقد يكون ممن يضيع أوقات الناس فيما لا خير فيه.
ولذلك إذا أردت أن يبارك الله لك في الوقت، ابحث عمن حولك فإذا وجدت الذين حولك من الصالحين والأخيار، الذين يعينون على حفظ الوقت فاعلم أن وقتك سيحفظ.
ومن الأمور التي تعين على حفظ الوقت في هؤلاء الأخيار: أن يكونوا من الناصحين، أهم شيء في حفظ الوقت بعد توفيق الله: وجود القرين الصالح الذي لا يغشك، فإذا رآك على خيرٍ سددك وثبتك، وإذا رآك على تقصير نبهك ووعظك وذكرك فأحيا الله قلبك بهذا، ولذلك قال بعض السلف: أخوف الناس فيك من نصح لك، فإذا رزقك الله قريناً صالحاً حفظ وقتك؛ لأنه إذا رآك تضيع الوقت نصحك وذكرك بالله عز وجل.
إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك هذا هو الأخ الصالح الذي إذا نسيت الله ذكرك، وإذا ذكرت الله أعانك، فابحث عن القرناء الصالحين، والذي ضرنا اليوم الجلساء والخلطاء، الواحد منهم يجلس الساعات قل أن يذكر الله جل جلاله، وقل أن يسدي إليك خيراً في دينك ودنياك وآخرتك.
تفقد من حولك، ولو كانوا من طلاب العلم، فبعضهم إذا جلست معه تقوم وإيمانك أزيد من ذي قبل، وتقوم وأنت قد استفدت الحكم والفوائد، وكان لك من الخير ما الله به عليم.
فإن ضاقت عليك الدنيا، ولم تجد قريناً صالحاً تستفيد منه ويفيدك ويعينك على ضبط وقتك، فانتقل إلى جلساء أرباء لا يملون ساعة، وهم العلماء الماضون، تجلس مع كتبهم وعلومهم النافعة.
وقد كان الوالد رحمه الله لا يحب ضياع الوقت، حتى كانت تمر عليه في بعض الأحيان مناسبات لبعض القرابة أو لقاء مع العلماء فيخرج، والله قل أن أراه يخرج إلا وكتابه معه، فإن وجد المجلس فيه علم نافع ومذاكرة جلس، وإن وجد القيل والقال والغيبة مضى إلى ظل شجرة فجلس يقرأ حتى يحضر الطعام فأصاب من الطعام وأجاب الدعوة ثم انصرف.
لا يسمح لأحد أن يضيع عليه وقته، وإذا جاء أحد وقال له: فلان يقول وفلان، يقول له: اسمع! إما أن تستفيد أو تقوم عني، لا يأذن لأحد أن يضيع عليه وقته، وكان في بعض الأحيان يعتب على من يذكر أحداً عنده بسوء، ويقول له: لا تذهب عليَّ حسناتي، لا آذن لك أن تأخذ من حسناتي.
فهكذا طالب العلم، إن وجدت الذي حولك يأتيك بعلم نافع يقول: جلست مع العالم الفلاني فقال وفعل فأكرم به وأنعم به من أخٍ وصديق، وأما إذا جاءك وقال: قال فلان وقال علان بالغيبة والنميمة، ويفسد قلبك على المؤمنين والمؤمنات فاحذره.
فصلح قرين السوء للقرين كصلح بين اللحم والسكين فالإنسان الذي يخالطك ويضيع عليك الوقت هذا لا خير فيه، ولو كان من أقرب الناس منك، فتفقد من حولك، إن وجدت وقتك يضيع فيما فيه فائدة ومنفعة فاعلم أن الله قد قيض لك الخير بالقرناء الصالحين، وإن وجدت على العكس من ذلك فاتركهم والله يبدلك خيراً منهم، والله تعالى أعلم.