[كيفية التعزية الشرعية]
السؤال
فضيلة الشيخ فصّل لنا في كيفية التعزية الشرعية، وعن حكم الاجتماع عند أهل الميت، وصفة الطعام منهم ولهم، وأكل الناس عندهم، ومدة التعزية مع ذكر الأدلة ما استطعتم؟
الجواب
أولاً: قضية التعزية يقصد منها تسلية المؤمن في مصابه وتعزيته في كربه وبلائه، والمقصود من التعزية طمأنة القلوب حتى لا تنفر، وكذلك تسليتها حتى يعظم لها الأجر عند الله عز وجل.
الأمر الثاني: إذا علم هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان هديه في ذلك أكمل الهدي، فإنه قال للمرأة المصابة: (مرها فلتصبر ولتحتسب) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار، فلتصبر ولتحتسب) فهذا يدل على أن المقصود من التعزية تثبيت القلوب وطمأنتها ودفع القلق عنها، ويذكره الإنسان بما له عند الله من الأجر حتى يكون لهم مثل أجره.
الأمر الثاني: إذا علم أن هذا المقصود، فإن التوسع فيه والخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر خارجاً عن هذا الأصل، والذي ينبغي الاقتصار عليه، وأما مسألة الطعام للميت، فإنه ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع لأهل الميت طعاماً، قال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) ويصنع لأهل الميت خاصة، ويكون ذلك على المعروف وذلك بالخروج عن الإسراف والبذخ، وكذلك دعوة الناس إلى هذه الوليمة، فإن الدعوة إليها مما لا أصل له، فيقتصر على أهل الميت.
أما الأمر الثالث: ما يفعله الناس من دعوة الغير إلى هذه الولائم وتكثير الناس عند أهل الميت، فإن هذا خروج عن الهدي وخروج عن السنة، وكره العلماء ذلك ونصوا على بدعية الاجتماع عند أهل الميت خاصةً في هذا الزمان، الذي بلغ ببعضهم أنه يجلس عند أهل الميت أياماً ويحرص على الكلام في فضول الدنيا، تقول له: يا أخي اتق الله ما يصلح أن تتكلم وهؤلاء مصابون، يقول لك: حتى أروح عنهم، وهذا نوع من الخطأ بمكان.
سبحان الله!! يعني: أن الإنسان ما يكفيه أنه خارج عن الهدي حتى يأتي بأمور يكون فيها إساءة لأهل الميت؛ لأن الكلام في فضول الدنيا دليل على الغفلة، تروح عنهم بماذا؟ موت الميت هذه نعمة من الله قد تهديهم إلى الله، قد تذكر الغافلين منهم بالله، فتأتي وتزيدهم غفلة على غفلة ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا من البلاء، الناس في العزاء وعند موت أقاربهم يتذكرون، وتكون فرصة للدعوة إلى الله، ويأتي هذا لكي يسهر الليلة الأولى والثانية والثالثة ليس عنده قصد إلا الإتيان بالمضحكات والمسليات، يقول: حتى أروح عنهم، إنا لله وإنا إليه راجعون! فهذا بلاء {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:٨] نسأل الله عز وجل ألا يطمس لنا ولكم بصيرة.
أما الأمر الثالث: فهناك منكر عظيم وهو أن أهل الميت يقومون بصنع الطعام، ويكون ذلك أشد حرمة ومنكراً إذا كان من أموال اليتامى والقاصرين، وهو داخل في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:١٠] فهذا إذن وقع لا شك أنه منكر واعتداء على أموال اليتامى، فاليتامى أموالهم تحفظ قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} [النساء:٢] فنهى عن أكل مال اليتيم قال: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:١٥٢] {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:١٥٢] فمن حفظ وصية الله يبتعد عن هذا المنكر العظيم.
الأمر الأخير الذي ينبغي التنبيه عليه: أن الإنسان إذا جاء ليعزي أخاه يحاول دعوته وتذكيره بالله، إن كان بعيداً عن الله قربه إلى الله وقال له: انظر إلى فلان كان بالأمس أمامك حياً واليوم كأن لم يكن.
بينما امرئٌ بين يديك حياً إذ صرت لا تبصر منه شيّا في لحظة واحدة كأن لم يكن، فتذكره بالله، وإن كان طائعاً منيباً خيراً وكان والميت على صلاح تسليه وتثبته.
إنا نعزيك لا أنا على ثقة من البقاء ولكن سنة الدين ليس المعزى وإن طال عمراً بعد صاحبه ولا المعزي بباقي إلا إلى حين فذكره بالله وثبته على الصبر على هذه المصيبة، ولله در القائل: أبكيه ثم أقول معتذراً له وفقت حيث تركت ألأم دارِ جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري تسليه وتثبته، فهذا الذي ينبغي تعاطيه، والله تعالى أعلم.